بالقرب من الاهتمام الكروي، وأكثر قربًا من الهيام التاريخي كان مساءً باذخاً جدًا رياضيًا وتاريخيًا، ولنبتعد قليلاً عن البذخ إلى الإثراء التاريخي المتواري في حضرة الحدث الرياضي، فجاء موعد المباراة في السادس من أكتوبر الذي صادف مناسبة تاريخية مهمة، فماذا لو صادف موعد نهائي كل بطولة رياضية مناسبة تاريخية حدثت في مثل اليوم، هل سيستذكر المهتم بالتاريخ المناسبة؟ وهل سيتعرف الناشئة على أحداث تاريخية مجيدة؟ وهل ستتحقق البغية من ربط علم التاريخ بالواقع وتفعيله بالمزامنة وبطريقة أكثر جذبًا خاصة إذا استُذكرت المناسبة بتسلسل زمني متصاعد مع مراحل البطولة وصولاً إلى النتيجة النهائية الرياضية المرتقبة والتاريخية المنتظرة؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فإن المخول بالتطبيق المسؤول الرياضي والتاريخي.
والآن لنعود إلى استذكار المناسبة التاريخية التي حدثت في مثل يوم المباراة التي جمعت بين فريقي الهلال السعودي والزمالك المصري على نهائي كأس السوبر السعودي المصري يوم السبت 6-10-2018م, وقد حاز فريق الزمالك على الكأس. وصادف توقيت المباراة ذكرى الانتصار العربي على إسرائيل في حرب أكتوبر 6-10-1973م، وسُميت هذه الحرب بمسميات عدة منها: حرب تشرين، وحرب العاشر من رمضان، وحرب الغفران، وتمثّل هذه الحرب الحلقة الرابعة في سلسلة المواجهات العربية الإسرائيلية في الألفية المنصرمة، وكانت الحرب بقيادة دولتي مصر وسوريا وبدعم لوجستي عربي -سعودي وكويتي ومغربي وعراقي وأردني وليبي وسوداني- إلى جانب الاتحاد السوفيتي الذي مد مصر وسوريا بالأسلحة, بينما زوّدت الولايات المتحدة إسرائيل بالأسلحة.
استطاعت مصر وسوريا تحقيق تقدم عسكري بالمزامنة، فسوريا كانت تهاجم قواعد القوات الإسرائيلية في هضبة الجولان واستطاعت تدمير تحصيناتها، وفي الوقت ذاته استطاعت مصر مهاجمة خط بارليف الحصن العسكري الإسرائيلي المبني على طول الضفة الشرقية لقناة السويس، وتوغلت قواتها في أعماق شبه جزيرة سيناء، وكانت أهم نتائج حرب أكتوبر استعادة قناة السويس، وجزء من سيناء في مصر, وبعض مناطق مرتفعات الجولان ومدينة القنيطرة في سوريا، وبذلك حققت الحرب هدفها وهو استعادة الأراضي المغتصبة في حرب النكسة 1967م.
تراجع الانتصار العربي في مصر والجولان؛ بسبب الهجوم الإسرائيلي المضاد واستعانته بالجسر الجوي الأمريكي، إضافة إلى صدور القرار الدولي بوقف إطلاق النار اعتبارًا من 22-10-1973م، وخرقت القوات الإسرائيلية القرار بمعاودة الهجوم في اليومين التاليين عقب صدوره، مما حدا بالولايات المتحدة إلى إرسال وزير خارجيتها هنري كسينجر لإجراء مفاوضات عربية إسرائيلية؛ لإيقاف الحرب، وبالفعل عقد الطرفان مهادنة سلام أو فض اشتباك في 1974م، وعقدت مصر مع إسرائيل اتفاقية فض اشتباك ثانية عام 1975م، وكانت الأخيرة الخطوة التمهيدية لعقد معاهدة كامب ديفيد 1978م بوصفها معاهدة سلام شاملة بين مصر وإسرائيل بإشراف الولايات المتحدة.
ويمكن تبسيط مراحل حرب أكتوبر في المعادلة التالية: اتحاد+ تحديد الهدف+ تخطيط + دعم لوجستي= تقدم وانتصار.
ولتفعيل واقعية أحداث التاريخ يمكن القول بأن ظروف الحياة أشبه بحرب مفاجئة فُرض علينا خوضها لكننا مخيرون بطرق التعامل معها وبالظفر عليها إذا ما آمنا بقدراتنا وتنبأنا بما سننجزه واتحدنا مع كل ما يدفعنا قدمًا من المعطيات المهيأة لنا، وإذا ما استحضرنا المباغتة في ردود أفعالنا وطرق تعاملنا الصلدة وغير المتوقّعة بعدها سننعم بلذة الانتصار والأهم تجديد السلام على الدوام.
** **
- مرام بنت عبدالإله الهويدي