عبدالوهاب الفايز
والعود غير أحمدُ.. عادت المكينة الإعلاميه الأمريكية الكارهة لنا، بقيادة النيويورك تايمز، إلى حالها الطبيعية في الشيطنة والتحريض والاحتقار والدعوة للمقاطعة، كما دعا الحاقد الأول على المملكه نيكولاس كرستوف. نفس الأقلام المسمومة، ونفس الموضوعات، ونفس الآلية في التنسيق لطرح الموضوعات. لذا لا جديد! الملف القديم يعاد فتحه الآن ليس انتصارًا للعدالة، ولكن خدمة لمصالح وأجندات خاصة. بعد 11 سبتمبر، توماس فريدمان كان قائد اوركسترا الاستغناء عن السعوديين وعن نفطهم، والآن عاد الحديث مرة أخرى، لماذا نتحالف مع السعودية، الآن لدينا النفط، ولا نحتاج نفط السعودية والشرق الأوسط!
فريق كتاب الصحف الليبرالية هو الذي يقود الحملة الجديدة مستغلا حادثة جمال خاشقجي، رحمه الله، والهدف طبعًا كما كان في السابق هو الآن نفس الهدف: أي نسف العلاقات السعودية الأمريكية لإحداث القطيعة، وهم بذلك يلتقون مع (أهداف القاعدة وداعش) الأساسي وهو جر البلدين إلى المواجهة والخصومة، فكلا الفريقين لا تهمهم مصالح الشعوب، يهمهم تحقيق أجندتهم الخاصة التي تتغذى على إذكاء الصراعات والحروب.
حتى نقطع الطريق على المتربصين، نحتاج عاجلا إطلاق حملة لـ (الدبلوماسية الشعبية) يقودها قطاع الأعمال، ومؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات والهيئات العلمية والمهنية، ومراكز الدراسات والأبحاث، ووسائل الإعلام، مع تصميم أنشطة وزيارات ينفذها الطلاب المبتعثين في جامعاتهم. والحملة ضرورة مهما كانت التكلفة، فإذا لم ندافع عن بلادنا فلا قيمة لثرواتنا.
الحضور الدبلوماسي الشعبي في هذه المرحلة ضروري لأن الأحداث سوف تتوالى ونحتاج المبادرة لكي نشرح للعالم أن الذي حدث أمر خاطئ ومرفوض ولا يلتقي مع مبادئ الحكم وأخلاقيات المجتمع، والسعودية في تاريخها لم تمارس الاغتيالات لمن يخرجون عن الإجماع الوطني، ولهذا بادر الملك سلمان بكل شفافية وشجاعة إلى تدارك الأمر حماية للدولة ولمصالحها.
التحرك السريع ضروري حتى لا يكون هناك (فراغ إعلامي) مع ارتفاع الطلب على تفسير ما حدث، فإذا لم نخرج ونتحدث ونقدم رؤيتنا للحدث الأليم، فهناك مقتنصو الفرص الذين سوف يقومون بالدور.
في الشارع السياسي الغربي هناك تعبئة شعبية بين الأحزاب والقوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفِي إطار التنافس والصراع الحزبي على السلطة هناك من يحتاج الموضوعات الساخنة لاستخدامها ضد الخصوم، وهذا ما يفعله الحزب الديمقراطي ومكينته الدعائية في أمريكا، فقد قدمت أزمة الراحل خاشقجي فرصة ذهبية لتقويض الحزب الجمهوري، بالذات بعد عجز الديمقراطيين عن إيقاف مرشح الرئيس للمحكمة العليا.
الذي نطمئن إليه أننا محاطون بالكثير من الأشقاء والأصدقاء الذين يعرفوننا جيدًا، وهؤلاء من الضروري التواصل معهم لكي نوطن قناعاتهم على سلامة نهجنا وسلامة الإجراءات التي نتخذها.
صورتنا الوطنية، بدون شك، سوف تعاني من تبعات هذا الحدث، وفِي مقال الأسبوع الماضي قلت إن مواقفنا في العالمين العربي والإسلامي وتصدينا لمشروع التخريب الإيراني والقطري في المنطقة سوف يجعلنا ندفع ثمنًا سياسيًا مكلفًا، والآن التبعات السياسية لموت جمال في قنصليتنا سوف تضيف تكلفة جديدة، ولكن المهم هو أن تبقى الجبهة الداخلية قوية منيعة، لمواجهة التحديات والمؤمرات.
أيضًا من الضروري تقوية العلاقة مع الحكومة الأمريكية، فالإعلام الأمريكي لم يكن في تاريخه صديقًا للمملكة بسبب سيطرة الاتجاهات الليبرالية المتحررة على مفاصله، مع ارتباطه بمصالح إسرائيل والدفاع عنها. أيضًا من الضروري مراعاة ظروف الحكومات الإتلافية في أوروبا، فالأحزاب في السلطة لا تقف على قاعدة شعبيه قوية، فأغلبها متحالف مع أحزاب منافسة، وهناك أعضاء في أحزاب المعارضة يهمها إحراج الحكومة سعيًا لإسقاطها، فالمصالح الحزبية هي الطاغية، كما هو الوضع في ألمانيا حيث تسعى الأصوات المنافسة لإحراج رئيسة الوزراء.
حتى في العلاقات الدولية وإدارة السلوك السياسي، نجد قاعدة أصيلة في حديث النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ»، والحلم سيد الأخلاق.