سمر المقرن
من أكثر المشاهد المقزِّزة التي تتكرَّر أمامي، هي خروج من كانت زميلة أو كان زميلاً أو حتى ممن لم أتزامل معه في مهنة الإعلام لكنه ينتمي لها، ويكون في يوم من الأيام معنا ويعمل في مؤسساتنا التي تصنع منه شخصاً ذا قيمة إعلامية وتمنحه الشهرة، ثم بين ليلة وضحاها يخيّب الظنون وينقلب كالحرباء. هذا المشهد يتكرَّر كثيراً ولم يظهر اليوم، بل هو منذ سنوات طويلة ونحن نرى من وقت لآخر (أحدهم) أو (إحداهن) وقد تبدلّت مواقفه دون سابق إنذار، وفي يوم وليلة يتغيِّر الحال من صديق إلى عدو! في تصوري أن هذه المواقف التي نراها وسوف نرى كثيراً منها في المستقبل تعتمد على المصلحة الشخصية، لأناس تُباع وتُشرى بالمال والمصالح، ولا أبالغ في وصف هذه العينة بـ»الحرباء» لأنهم يتشابهون معها تماماً في الأوصاف، فالحرباء تتبدل ألوانها حسب البيئة التي تندمج بها، وهم مثلها يعيشون بيننا ويُظهرون اللون الحربائي الذي يساعدهم على إظهار ما لا يُبطنون، وفي الوقت ذاته عندما تتغيَّر ألوانهم لمصالح أخرى أكثر توافقية مع احتياجاتهم فهم يرتدون الألوان الأخرى وقد ينقلبون عليها فلا أمان لهم، وهذا يؤكّد على انعدام القيم لدى هذه الفئة من البشر، ولا يختلف عنهم من كانوا ضدنا ولا يتوانون عن الهجوم علينا في كل مناسبة صغيرة أو كبيرة، ثم فجأة تحولوا إلى النقيض وبدأوا يظهرون الحب والولاء، وهذه مشاعر مغشوشة في جملتها وتفاصيلها، وهي ليست تحولات اجتماعية أو فكرية، إنما هي لُب إنساني نابع من أساسيات وأخلاقيات مغروسة في الإنسان منذ بداية نشأته لتكون قواعد يعيش عليها حياته ولا يمكن أن تتبدل أو تتغيَّر مع الأحداث.
تحدثت هنا عن فئة من المتحوّلين من خارج بيئتنا، ولكن لا يختلف كثيراً عنهم، بل هو أشد حقارة منهم، من يحمل هذه الصفات السلبية ضد وطنه وأهله وناسه، حيث نجد من النوعين السابقين من بني جلدتنا ويتشابهون مع صفات الحرباء المتلوِّنة، حيث القسم الأول الذي ينقلب على وطنه وأهله لأنه يبحث عن مصلحة شخصية دون أن تردعه محددات القيم والأخلاقيات الأساسية. والنوع الثاني الذي كان لا يترك مناسبة إلا ويبحث عن منفذ ليطعن فيها وطنه، ثم بين ليلة وضحاها صار وطنياً بعنف، من صفات هذه النوعية السعي إلى التكفير الوطني لغيره حتى إنه لن يبقى غيوراً على وطنه سواه، هؤلاء ينتمون إلى فئة الوطنيين الجدد، لا يمكن أن أثق بهم مطلقاً، فمن لم يكن حب الوطن مغروساً في وجدانه منذ أن كان في رحم أمه فلن تهبط عليه الوطنية فجأة!