فهد عبدالله الغانم السبيعي
أكَّد البيان الرسمي للمملكة العربية السعودية الصادر في وقت متأخر من مساء يوم الجمعة وفاة المواطن جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول إثر شجار حدث بينه وبين الأشخاص الذين قابلوه هناك. هذا هو ما خلصت إليه نتائج تحقيقات الجانب السعودي في هذه القضية التي شغلت العالم بأسره.
وجاء هذا البيان شجاعًا وصريحًا انتهج انتهاجًا عقلانيًّا وأظهر جدية اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله- منذ الوهلة الأولى لخبر اختفاء المرحوم خاشقجي بسرد الحقيقة مهما كانت وبكل وضوح. وأن ليس هناك أحد فوق القانون كائناً من كان. ووضع هذا البيان الرأي العام المحلي والعالمي أمام شفافية مطلقة.
هذا البيان المنطقي سلك نحو قيم المملكة ومبادئها الراسخة التي تنشد دائماً العدل والمساواة وفق الشريعة الإسلامية السمحة. لذا ثمّن العلماء ورجال الفكر القرارات الملكية الحازمة التي تهدف في المقام الأول إلى تحرّي الحقيقة الكاملة وتقديم جميع المتورّطين إلى العدالة ومتابعة سير محاكمتهم لينال المذنب جزاءه الذي يستحقه.
لقد صدم المواطنون بالطبع بهذا الخطأ الفادح والتصرفات غير المسؤولة من قبل الأشخاص الموقوفين على ذمة التحقيق والذين بلغ عددهم 18 شخصاً، وطالت الاتهامات أيضاً مسؤولين بارزين بجهاز الاستخبارات والديوان الملكي بإعفائهم من مناصبهم. وتكليف الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - بإجراء إصلاحات عاجلة في جهاز الاستخبارات السعودي وذلك بإعادة هيكلته وتحديث نظامه.
بهذه التصرفات المرفوضة والتي لا يقرها شرع ولا دين ورّط هؤلاء بلدهم، وجلبوا للوطن سحباً سوداء ظلت تخيم على أجوائه لأكثر من أسبوعين لم تجلب له أمطاراً ذات خير وبركة، بل أخباراً غير سارة وإحراجاً دولياً لا يمكن معايشته وخصوصاً أن ما تتحدث عنه هي «مملكة العدل والحزم» التي لا تستحق ذلك بتاتاً.
ورغم حزننا الشديد على وفاة كاتب إعلامي مخضرم، وقبل ذلك هو إنسان بسيط ومواطن كنا لا نتمنى ما حدث له، فرحمه الله رحمة واسعة.
إن الجميع كان يترقّب بلهفة وقلق تداعيات هذه القضية المعقدة ولكن تدخل الملك سلمان بن عبدالعزيز من بدايتها بنفسه وأراد الوقوف على تفاصيلها عن كثب فأرسل حكيماً ويملك رصيداً هائلاً من المحبة والتقدير لديه ولدى الغير الشيء الكثير وهو مبعوثه الشخصي صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة إلى تركيا ووجهه بتقصي الحقائق مع السلطات التركية والطلب منهم بأن تشارك المملكة في التحقيقات الجارية لتشكل المملكة وتركيا تعاوناً وثيقاً أثمر عن التوصل إلى أسماء الأشخاص وكافة التفاصيل التي حدثت في البلد الشقيق وبخاصة في القنصلية السعودية بإسطنبول. تحرّك الملك هو الشعور الوطني النبيل والوالد الحريص على بلده ومواطنيها سواء في الداخل أو في الخارج. وخصوصاً أن الأبواق المأجورة في بعض القنوات الخبيثة اتخذت من هذه القضية فرصة ثمينة لها من أجل الاصطياد في الماء العكر والإساءة المباشرة إلى المملكة العربية السعودية وقادتها وشعبها وإضعاف الثقة فيما بينهم عبر بث الأخبار المغرضة والتسرّع في الأحكام والتأويلات لتأليب الرأي العام وتحريضه ضد المملكة والتجني عليها بكل وقاحة وهذا شيء لا يقوم به إلا حاقد أو مرتزق أو خائن. لذا حوّلوا قضية خاشقجي الإنسان والمواطن إلى تجارة رابحة هدفها الأول والأخير النيل من المملكة وإضعاف موقفها وتقزيمه.
وهناك أهمية قصوى فقد ذكر مصدر رسمي سعودي أن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لم يكن على دراية تامة ولم يحط علماً وبشكل محدد عن وفاة الخاشقجي في القنصلية السعودية بتركيا. وهذا حسب المنطق وما ظهر من ملابسات هو صحيح ومقنع ويتضح ذلك من خلال قيام المتهمين بتجاوزات مستغربة بحق المواطن جمال خاشقجي بعد أن تشاجروا معه وحده حتى وصلت الأمور إلى ما لا تحمد عقباها، رغم أن لديهم تعليمات محددة لم يطبقوها ورموا بها عرض الحائط ونسوا بأن هناك بوادر ومؤشرات للجهات الأمنية السعودية تشير إلى إمكانية عودته للبلاد سالماً معافى. ونقول لهم أليس بينكم رجل رشيد؟!
لقد وقع هؤلاء الأشخاص الذين غرّتهم كثرتهم في عدة أخطاء فادحة لا تغتفر في حق أنفسهم ووطنهم وبحق جمال خاشقجي نفسه، ومن هذه الأخطاء الواضحة للعيان ما يلي:
أعطوا حكومتهم وخصوصاً سمو ولي العهد معلومات عير صحيحة عن الوضع المتطور هناك مع المواطن جمال وحاولوا طمس الحقيقة والتضليل لكسب الوقت بقولهم إنه خرج من القنصلية وإنهم هم من سمح له بالمغادرة وعلى هذا الأساس عندما سئل سموه من قبل وكالة «بلومبيرغ» الأمريكية أثناء حديثه الشامل معها عن جمال خاشقجي وهل هو لا يزال داخل القنصلية السعودية؟ فأجاب سموه بقوله: «ما أعرفه هو أنه دخل وخرج بعد دقائق قليلة أو ربما ساعة. أنا لست متأكدًا. نحن نحقق في هذا الأمر من خلال وزارة الخارجية لمعرفة ما حدث بالضبط في ذلك الوقت.
بفضل ما حظي به هؤلاء من صفة دبلوماسية ومكانة وظيفية ومراتب مرموقة بجهاز حساس ومتمكّن له سمعته المشرِّفة وتاريخه الناصع نسوا أنفسهم وتسلَّل الغرور إليها وكان ذهابهم أصلاً لمقابلة جمال والتحدث معه بكل دبلوماسية وبثقة معتادة ولا تحضر في هذه المواقف عادة القوة أو استخدامها ضد مواطن حضر بنفسه ليحصل على أوراق خاصة به.
حفظ الله الملك وولي عهده وهذا الشعب الوفي الذي يقف في السراء والضراء خلف من يقودون سفينة الوطن ويعبرون بها إلى بر الأمان متخذين من التوكل على الله وإخلاص النيّة له سبيلاً مع الأخذ بالأسباب في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الوطن.. ولا بد أن نردد دوماً {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا}.