هدى بنت فهد المعجل
ما إن يبدأ الطفل في التخلص من سطوة والديه -إن كان يراها سطوة- حتى نكتشف ذلك التخلص في هيئته الخارجية.. كيف؟.. تي شيرت مقلوب.. الأمام للخلف، والخلف للأمام.. أو الداخل للخارج، والخارج للداخل..!! الحذاء الأيمن في القدم اليسرى، والحذاء الأيسر في القدم اليمنى.. أما كيف يرتدي الجورب.. فهذا أمر آخر.. وتلك مسألة ثانية.. حينما نجده قد ارتدى جورباً بصورة صحيحة بينما الآخر مقلوباً.. يبدو الأمر مضحكاً مبهجاً للوالدين كون ابنهما بات يعتمد على نفسه في ارتداء ملابسه وأغراضه وبراءة اللبس الفوضوي، العشوائي، غير المرتب.. في حين لو ركزنا قليلاً على ارتدائه للجوربين نجده يصر على لبسهما عكس.. (مقلوبين).. لماذا في الغالب السطح الخارجي للجورب أنعم من الداخلي بالإضافة إلى أن سطح الجورب من الداخل لا يخلو من خيوط الحياكة المنسلّة والتي قد تؤذي القدم وتزعجه بجانب أن مستوى الحرص على حياكة الجورب يتركز على السطح الخارجي ويهمل الداخلي.. في حين لو ركزنا قليلاً وجدنا أن الجوارب صنعت من أجل حماية القدمين وكثيراً ما ينصح دعاة العناية بالبشرة؛ من يعاني من جفاف القدمين وتشققهما أن يدهنهما بكريم أو (فازلين) قبل النوم ثم يرتدي الجوربين ليتمتع بقدمين ناعمين.. فلماذا لم يلتفت صناع الجوارب إلى هذه النقطة.. ويحرصون على التركيز على جودة الجورب من الداخل.. حرصهم عليه من الخارج.. أم أن المسألة شكلية أكثر من كونها صحة وراحة جسدية..!! والمشكلة ذاتها تسحب على القفازين.. إذا لو عانيتِ من إصرار طفلك على ارتداء الجوربين مقلوبين لا تظني ذلك صعوبة تعلم أو عناداً وتمرداً.. بل هو طلبٌ للنعومة التي لا تكتمل معه وخيوط الجورب أو خشونته نسبياً، من الداخل تؤذيه.. نعومة تشعره بنعومة الأم.. بدفئها.. بحنوها عليه.. قد يقول أحدكم هذه المشكلة فقط في الملابس رديئة الصنع.. لأتدارك منوهة إلى أنني كنت أتسوق وابنتي في محل للملبوسات العالمية المعروفة عندما توقفت ابنتي عند بلوزة مصنوعة من المخمل الناعم جداً.. أخذت ابنتي تمسح بأناملها وراحة كفّها على البلوزة قائلة: الله يا ماما ناااعمة مرررة...، فتحسست البلوزة بأناملي من الداخل.. الطبقة التي ستلامس الجسد مباشرة فلم تكن على أيّ درجة نعرفها من النعومة، فعلى أيّ أساس أنقد البائع ثمنها المرتفع!! هناك مصنوعات ينبغي الاهتمام بسطحها الداخلي أكثر من الخارجي.. أو أن يكونا بمستوى واحد من الجودة.. وذا ما لم ينتبه له أغلب الصنّاع وحتى المستهلكين..!! الاغترار بالمظهر الخارجي والانخداع به مشكلة تسحب على كل ما نمر به في حياتنا.. والثقافة أو الوعي لم يصل بعد بالإنسان إلى درجة مرضية.. ما زلنا مسحورين.. مأخوذين بالمظاهر، الشكليات، في تعاملنا مع الجمادات والكائنات الحية.. ومن يتخذ من التأمل منهجاً له يصل، ولا شك، إلى درجة طيبة، طيبة جداً من الوعي الواعي. كل قطعة أثاث في منزلك.. كل جسم تمر به في حياتك.. كل حركة تأتي من طفلك.. ابنك.. ابنتك.. أسرتك والمحيطين بك تستحق من عقلك التأمل.. والتركيز.. حتى إشارة المرور وأنت واقف أمامها متأففاً تنتظر متى (تخضرّ) لو قتلت الانتظار الممل بالتأمل لاختلف الوضع معك.. عندما يصر طفلك على ارتداء الـ(تي شيرت) مقلوباً مع أن التعميم الخارجي والصورة الموجودة على البلوزة مغرية لطفل في مثل سنه.. عندما يصر لا تؤنبه.. تصفه بالغباء أو أنه صعب التعلم لا يفهم.. بل تأمله قليلاً وهو يرتدي بلوزته تلك.. تأمل ملامحه.. تعابير وجهه.. وقبل ذلك جهز له البلوزة على وضعها الصحيح.. وتأمله أيضاً وهو يقلبها على الوجه الآخر.. وبعد تأملك المنتج له أسأله عن سر إصراره على لبسها مقلوبة.. الرفض الذي سيأتي من الطفل مستقبلاً أسس له في الطفولة دون أن ننتبه.. كذلك السلوك.. والمنهج الذي سيتبعه ويسير عليه.. فليس من المعقول أن ينتكس فلان بين ساعة وضحاها، أو ينكسه شخص..!! وليس من المعقول أن نجعل من أبنائنا (صورة) مصغرة لنا، ونحن قد رفضنا أن نكون (صورة) مصغرة لأهالينا أو لأسرتنا والمجتمع الذي ننتمي إليه طالما أن (الفلاش) لم يكن جيد الصنع من الداخل وإن بدا لنا من الخارج مغرياً أشد الإغراء.