خالد بن حمد المالك
ستظل قضية مقتل جمال خاشقجي فرصة يستحضرها الأعداء، ويتسلّون بها للنيل من سمعة المملكة الناصعة، معتقدين أن هذا الخطأ الجسيم في التعامل مع المواطن السعودي سوف يخفي سمعة المملكة، ويخدش تاريخها المشرِّف، رغم نأي قيادتها المعلن عن هذا الأسلوب في التعامل مع مواطنيها في الداخل والخارج.
* *
لا ننكر أن الهجمة على المملكة شرسة وغير مسبوقة، باستغلال هذا الحدث، وتوظيفه على نحو ما هو مشاهد ومقروء في وسائل الإعلام، غير أن المملكة لم تكن ذات يوم بعيدة عن سهام الحاقدين وإن كان ذلك بدرجات ومستويات متفاوتة، وبالتالي فسوف يمر هذا الحدث كسابقاته على أنه خطأ بشري لم يكن للقيادة علم به، أو توجيه في تنفيذه.
* *
تحدث الرئيس التركي أمس بلغة لا يمكن تقييمها بمعزل عن كل التسريبات التركية التي سبقت خطابه، ولا يمكن إعطاء صك البراءة للنوايا التركية عن تلك التسريبات التي تم تعزيز تأثيرها بخطاب الرئيس أوردغان الذي سبق موعد إلقائه التحضير الدعائي والتسويقي له منذ أيام، ليتمكن العالم من الاستماع له، ومتابعته، ضمن التكثيف الإعلامي المهيأ لإحراج المملكة في هذا الحدث المزعج لنا قبل غيرنا.
* *
لقد قالت المملكة كلمتها على لسان عدد من الوزراء والنيابة العامة والجهات الأخرى ذات الاختصاص وذلك قبل خطاب الرئيس التركي، وتوّج كل ذلك باعتراف المملكة بمقتل الزميل جمال خاشقجي، وصدور التوقيف بحق 18 سعودياً مشتبهاً بهم، وإعفاء بعض المسؤولين من وظائفهم، والتأكيد على أن المتورّطين سوف يحالون إلى العدالة، ويحاسبون.
* *
والمملكة لم تتستر على الجريمة، أو تخفي الطريقة التي تم بها وفاة الزميل جمال، وإن كانت قد تأخرت في الإعلان عن ذلك، فقد كان السبب في ذلك الرغبة في التثبّت والتأكد من سلامة التحقيقات التي قامت بها السلطات السعودية، خوفاً من تقديم معلومات قد يشوبها الشك والريبة وعدم المصداقية، لو جاء إعلان المملكة متسرِّعاً، وقبل أن يصل المحققون إلى ما وصلوا إليه.
* *
المملكة إذاً لم تتهرَّب من مسؤولياتها في حادث مؤلم وقع في قنصليتها في إسطنبول، وعلى أيدي سعوديين مشتبه بهم ولا يزال التحقيق معهم مستمراً، فقد سمحت للأمن التركي بتفتيش مبنى القنصلية، ومثله مبنى مقر القنصل، كما أنها أرسلت وفوداً سعودية للتفاهم مع السلطات التركية، وطلبت أن يشارك الأمن التركي والأمن السعودي في فريق تحقيق واحد مشترك للتوصل إلى مزيد من التفاصيل عن الحادث، فضلاً عن الاتصال الذي تم بين خادم الحرمين الشريفين والرئيس التركي.
* *
هذا يعني أن أي مزايدات، أو استغلال لهذا الحادث، والمتاجرة بدم المواطن السعودي، إنما تأتي من باب الحقد والتآمر على المملكة، وليس دفاعاً عن حقوق الإنسان، وحرية الرأي، ولو كان هذا هو القياس في التعامل مع مقتل الخاشقجي، لكانوا فعلوا ذلك سابقاً مع حوادث مماثلة، أو ما هو أنكى من ذلك.
* *
نريد أن نقول: إن خطاب الرئيس أوردغان أمس - من وجهة نظر شخصية - لا يضيف جديداً، طالما أن المملكة سبقته بأيام بالإعلان عن وفاة الزميل جمال، وتوقيف المشتبه بهم، وأكدت على أنهم سيواجهون بالاتهامات التي تحقق العدالة، بعيداً عن أي تصعيد إعلامي يسبق المحاكمات، ويحاول أن يؤثِّر على سيرها.