د. محمد بن إبراهيم الملحم
تحدثتُ الأسبوع الماضي عن قرار وزارة التعليم بسعودة جميع أعضاء الهيئة الإدارية للمدرسة الأهلية، وأشرت إلى أن ذلك مشابه تمامًا لما حدث في الماضي بسعودة وظيفة مدير المدرسة الأهلية، بيد أنه قرار تم اختطافه بواسطة بعض ملاك المدارس الأهلية (تجارها الشطار) الذين أقنعوا الوزارة أن توافق لهم ليوظفوا مديرًا لمدرستهم بدلاً من تكليف الوزارة أحد موظفيها، ومن هناك بدأت رحلة الدلع والدلال (أو عاودت الاستمرار) لطلاب المدرسة الأهلية مع نجاحهم المضمون... والسؤال: هل هذا في كل المدارس؟ طبعًا لا، فهناك مدارس منضبطة ولكني أجزم أنها تعاني جدًا، فطلابها (وربما بعض أولياء أمورهم) قد يضغطون عليها، لا سيما أن طلاب المدارس المختلفة اليوم يختلطون ببعضهم كثيرًا ويؤثرون على بعض، وتنتشر الظواهر والسلوكيات انتشار الهشيم، خاصة في ظل تردي أوضاع الثقافة التربوية لدى الوالدين وظهور جيل الوالدين الذي تربى على السطحية مما يجعله لا يثمِّن كثيرًا قيم الجودة التربوية التي تقوم على الجهد والتعب والهمة والطاعة والاحترام، بل هي أشياء تكاد تكون مفقودة في بيوت بعض هؤلاء! وهم جزء مهم من زبائن المدرسة الأهلية! معادلة صعبة لا تحلها إلا الجهة التنظيمية والإشرافية بحلول أصيلة تستهدف المرض فتقتلعه، لا أن تأتي على ظواهره وأعراضه فقط.
القرار استهدف تغيير الأشخاص، وله تجربة سابقة رأينا محدودية آثارها، ولذلك فإنه غير كافٍ دون تنظيمات طموحة تكفل تحقيق الأهداف، فأرى اليوم ضرورة وضع عقوبات مشددة على المدارس التي ترتكب «جرائم» استهتار بالقيمة التربوية للمدرسة وتثبت فيها ظواهر الفوضى الطلابية والتأخر والإهمال الإداري، وعقوبات أخرى مغلظة للمدارس التي يرتكب فيها التزوير والتلاعب بدرجات الطلاب، تعاقب المدرسة التي تكرر فيها ذلك سواء وصلت إلى المستوى المعرف كجريمة قانونية أو ما هو في حكمها مما توفرت فيه الشبهة القوية، فبجوار معاقبة المزور الفرد وتكرر ذلك فإن المدرسة تتعرض للعقوبة الرادعة لإهمالها إداريًا وقياديًا المتابعة الدقيقة لقيم العمل وأسسه وعدم العمل على منع الخسائر وتحقيق السلامة وصيانة سمعة المؤسسة التعليمية وصورتها في نفوس الطلاب وأمام المجتمع.
قد يقول قائل هذه نظرة متشائمة ومقترح موغل في الردع الذي لا داعي له،! وأقول إنك محق لو كان الأمر لدينا مستقرًا وفي المعدل الطبيعي كما هو حال غيرنا من المجتمعات التي لا تناقش هذه الجوانب (انضباط أو مصداقية اختبارات)، لأنها مسلمات لا يطرأ على البال المساس بها، وحينها أقول لك لا بد لنا أن نتقبل بعض الخلل الموجود هنا وهناك ونعمل على مكافحته وتحسين الأمور، (وكان هذا حالنا سابقًا)، لكنما الأمر لدينا وصل إلى درجة تلجئنا إلى مثل هذا التدخل «الجراحي» لاستئصال شأفة ما ينخر في عظام مجتمعنا المعرفي ويقوض ما تبقى من أركانه، لا سيما أنه استفاض الخبر لدى الجميع أن منشأ ذلك هم ملاك المدرسة وليس المعلمون أنفسهم، ولذلك فإني أقترح أيضًا أن تنظم الوزارة جهازًا خاصًا لاستقبال شكاوى المعلمين الذين يعملون في المدارس الأهلية وبلاغاتهم ضد ما يشاهدونه من مظاهر تعد على قيم العمل يمارسها تاجر المدرسة (نجحوا فلان، دلعوا ولد فلان)، وهذه الشكاوى لا يجب أن تنطبق عليها أنظمة الشكوى الكيدية بل تكون بنظام البلاغات دون تحديد هوية المبلغ لأن المعلم يستحيل أن يبلغ إن طلب منه الكشف عن هويته، فالحفاظ على رزقه أهم من الحفاظ على القيمة التربوية للمؤسسة التي لا تهتم بنفسها! ويبقى على عاتق المؤسسة أن تذهب وتتحقق بنفسها خاصة أن إدارات التعليم تعلم من هي المدارس التي عليها دائرة ضوء حمراء ومن هي غير ذلك ويمكنها أخذ البلاغات ضد المدارس غير حسنة السمعة محمل الجد لتجد أن أغلب ما يصلها صحيح.
ومن قد يعلق على ذلك أنه نوع من البوليسية! أقول هذه وزارة العمل ووزارة التجارة، تمارسان الأمر نفسها لمصالح مادية بينما المصالح القيمية والتربوية التي تتحقق هنا ربما كانت أهم، بل إن توفرها في جيل اليوم سيجعلهم غدًا هم من يعملون في (أو يشرفون على) أماكن العمل التي تفتشها وزارة التجارة والعمل لتجد أن تفتيشها لا يسفر عن شيء لانتشار الانضباط وحب النظام في من يعملون هناك (طلاب اليوم). سادتي: في عهد الحزم لا يصح إلا الحزم إن أردنا أن نتقدم.