منصور ماجد الذيابي
للمرة الأولى وتحت مظلة حقوق الإنسان وحرية الكلمة تهب على بلادنا عاصفة إعلامية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من حيث قوتها وسرعتها واتجاهها في مسار محدد نحو دولة إسلامية شرق أوسطية محددة. لن أتحدث في هذا المقال عن دور وسائل الإعلام في الدول الغربية ودور المنظمات التي تحترم مبادئ القانون الدولي تجاه حقوق الإنسان إبان مسيرات العودة التي انطلقت في ذكرى يوم الأرض في شهر مارس/ آذار الماضي بالقرب من حدود الاحتلال الإسرائيلي مع قطاع غزة حيث سقط هناك على الهواء مباشرة العشرات من الصحفيين والمصورين الأبرياء نتيجة لاستهدافهم وقنصهم بنيران الجيش الإسرائيلي خلال تغطيتهم لتلك المسيرات التي انطلقت لإحياء الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية، التي كانت تطالب فقط بحق العودة وفك الحصار عن القطاع واحترام قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالحقوق الفلسطينية. لم نسمع حينها أن عضوًا واحدًا في الكونجرس الأمريكي استنكر أو طالب بمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم وتقديمهم لمحكمة العدل الدولية. كما لن أتحدث هنا عن أسباب تجاهل الدول الغربية لحقوق المسلمين في ميانمار عندما ارتكبت السلطات البوذية هناك الكثير من المجازر وأعمال العنف التعسفية التي تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان الأساسية في ولاية أراكان الواقعة غرب ميانمار حيث كانت تعيش أقلية الروهينقيا المسلمة قبل تهجيرها قسرا باتجاه الحدود مع بنغلاديش.
لم نر آنذاك شبكات الإعلام ووكالات الأنباء الأمريكية والأوروبية تهتم كثيرا أو تتعاطف مع أمهات كانت ظهورهن تنوء بأحمالهن الثقال في رحلة نزوح عبر الأدغال المليئة بالعقارب والوحوش والثعابين السامة. لم نسمع ولم نر آنذاك تلك الشبكات الإعلامية تتضامن وتتحد في نبرة خطابها وتتفق في توقيت تغطيتها الإعلامية كما هو الحال بالنسبة لاتحادها وتضامنها اليوم في الهجوم على المملكة العربية السعودية حول ما يتعلق بقضية المواطن السعودي في تركيا وخلال مراحل التحقيقات والمحاكمات وجمع الأدلة وتقصي الحقائق.
من ذلك نستبعد تماما أن تكون حقوق الإنسان هي المحرك الوحيد والدافع الرئيس لهذه العاصفة الإعلامية البشعة على دولة إسلامية نفطية مانحة ما فتئت تقدم المعونات المادية والمساعدات الإغاثية لكل المحتاجين والمتضررين من آثار الكوارث والحروب في كل بقاع العالم. نعلم أن كثيرًا من الوسائل الإعلامية ليست إلا أذرعا هجومية لأنظمة دول تتبنى نظرية افتعال الأزمات وإشعال الحرائق لضمان تفوقها عسكريًا واقتصاديًا على الدول التي يشكل اقتصادها قوة مؤثرة في صناعة القرارات على الساحة الدولية.
وكما ذكرت في مقال سابق بعنوان «ماذا بعد إشعال الحرائق في الشرق الأوسط» فإن الدول الغربية التي تتراجع اقتصاداتها أمام اقتصاد المملكة المتصدر والمؤثر في الاقتصاد العالمي لا تريد لنا خيرًا ولا تريد لنا نفوذًا اقتصاديًّا لا سيما وأن هذه الأنظمة أعربت عن انبهارها للخطط الإستراتيجية الاقتصادية العملاقة التي حمل لواء مسيرتها سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الذي يريد أن يجعل من المملكة عاصمة للاقتصاد العالمي. مما لا شك فيه أن سياسة الدول الغربية عموما تعتمد على إشعال الحرائق في المنطقة العربية كمرحلة أولى تمهيدية تسمح لإيران وبمساعدة من روسيا وربما تركيا للبدء في مرحلة أخرى تتمثل في التغلغل داخل المنطقة الخليجية عبر ميليشيات مسلحة تتولى تنفيذ أجندات الدول الكبرى لتعطيل حركة النمو الاقتصادي أولا ثم تفكيك مفاصل الجبهة الداخلية فيما بعد، وبالتالي العمل على إنجاز مشروع الدول الكبرى المتمثل في كبح جماح عجلة التنمية الاقتصادية السعودية المتسارعة. وفي تقديري أن البرلمانات الأوروبية والكونجرس الأمريكي تسير جميعها على خطين متوازيين يسعى أحدهما إلى فرض عقوبات اقتصادية كما هو الحال مع روسيا وكوريا الشمالية والصين وإيران، بينما يتولى الخط الثاني عمليات اشعال فتيل الأزمات لخلق نزاعات مسلحة دائمة في المنطقة.
ولحماية بلدنا من سياسات ومؤامرات بعض الدول الصديقة والشقيقة فإنه يتوجب علينا الالتفاف حول قيادتنا ورص الصفوف استعدادًا للدفاع عن بلادنا بكل الوسائل المتاحة ضد كل من تسول له نفسه النيل من شموخ الوطن وقيادته. كما ينبغي علينا كمواطنين سعوديين شرفاء أن نتصدى بكل حزم وعزم للإشاعات المغرضة التي تمولها وتروجها إعلاميا بعض التنظيمات الرسمية التي اعتادت على زعزعة الاستقرار وبث الشائعات في المنطقة العربية عموما وفي المملكة العربية السعودية تحديدا.