د. خيرية السقاف
يكتسب المرء علمه بالاستزادة مما يكتنز من المعارف, وكيف يوظفها بالممارسة, والدأب, فإذا ما أصبحت عجينة فكره, وفعله, تنامت, وتطورت, ولازمته شغفا, وتفكيرا, وتوليدا, وفاضت بنتائجها خبراته يتميز بها, ويوسم بإنجازاتها ثمرة تفيض..
في مدرسة الإنسان القديم كان يأخذ من كل علم, ولا تقف به تجاربه, ومكتسباته, عند خبرته بمعرفة دون غيرها, ولا في جانب من العلوم دون غيره, لذا وجدناهم قبل التنظير ينظرون, وقبل الاكتشاف يبلغون, وقبل المعرفة يعلمون, فهناك علماء الفلك وهم يبحرون في الطب, والرياضيات, والبلاغة, والمنطق, والموسيقى, والأخلاق, وعلوم الاجتماع ونحوها, وجاءت مصنفاتهم حتى في اللغة وعلومها, وفي المنطق, والأديان, والفقه كما في الحساب, والسير, والتاريخ, والأنساب..
ومذ أخذ التعليم منحى التخصيص, وركن إلى جزيئات من قوائم العلوم, وجدنا في الأقسام العلمية الواحدة من يجهل فروعها الأخرى, والمثل على ذلك أن يبرر معلمو الأدب أخطاءهم النحْوية بتخصصهم في الأدب, وجهل جهل مختص النحو بالبلاغة, وهو أكثر حرجا من الذين يخطئون في الإملاء لأنهم متخصصون في التاريخ, أو العلوم!!..
تشظى العلم, وتشتت التعليم في جزيئات المعارف!!..
لا تجد في العلماء الذين كانوا هم المربون المعلمون أنفسهم مثل هذا الفراغ, ولا مثل تلك الأخطاء..
لقد تفشى الخلل في التعليم, مذ درجت مؤسساته على عدم الاكتراث للنقطة في التعليم والتعلم, إلى الياء في أبجدية المسؤولية, وسعة المعارف..!!