د.عبد الرحمن الحبيب
في شهر نوفمبر هذا، سوف نحتفل بالذكرى المئوية لنهاية ما كان يسمى «الحرب لإنهاء جميع الحروب» بين القوى العظمى في أوائل القرن العشرين. بالطبع، تحولت الحرب لإنهاء أي شيء إلا الحروب. وبسبب سلسلة كارثية من العواقب غير المقصودة، أعقبتها حروب أكثر، وأعيد رسم الخريطة الجيوسياسية للعالم ثلاث مرات منذ ذلك الحين.
هذا ما قاله كيفن رود رئيس وزراء أستراليا الأسبق ورئيس معهد سياسات المجتمع الآسيوي في نيويورك، الذي أردف قائلاً: عندما تنظر الأجيال المقبلة إلى عام 2018، يمكن أن تكون السنة التي تحولت فيها العلاقة بين القوتين العظميين للقرن الحادي والعشرين - أمريكا والصين- من التعايش السلمي إلى شكل جديد من المواجهة، على الرغم من أن المسار النهائي لا يزال بعيد المنال.
العلاقة الأمريكية-الصينية تتحول من شراكة وتنافس ناعم إلى منافسة حادة ونمط جديد من المواجهة لم يتشكَّل بعد.. فهل تنزلق الدولتان في فخ ثوسيديديس، الفيلسوف اليوناني القديم الذي حدّد السبب وراء ذهاب إسبرطة (أمريكا هنا) إلى الحرب مع أثينا (الصين) التي كانت تصعد وتنمو بقوة، بسبب خوف الأولى على بقائها، بحسب تحذير غراهام أليسون بروفسور العلوم السياسية بجامعة هارفارد الذي ساق أمثلة سابقة لفخ ثوسيديدس: بداية الحرب العالمية الأولى، وحرب الخلافة الإسبانية، والحرب الأهلية الأمريكية، وحرب الثلاثين عاماً في القرن السابع عشر بأوربا.
صاغ أليسون مصطلح «فخ ثوسيديديس» وانتشر في النقاشات الأكاديمية والمحافل السياسية، بعدما ظهر هذا المصطلح في إعلان على صفحة كاملة بصحيفة نيويورك تايمز في 6 أبريل العام الماضي، وهو يوم اجتماع الرئيس الأمريكي مع الرئيس الصيني شي جين بينغ. يقول أليسون: «في أبريل، كانت كعكة الشوكولاتة قد قدمت للتو في قمة مار لاغو عندما انحنى الرئيس دونالد ترامب ليخبر الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الصواريخ الأمريكية قد تم إطلاقها على القواعد الجوية السورية.. تاركاً لخيال شي تصور استعداد ترامب للهجوم على كوريا الشمالية.. مرحبًا بكم في العشاء مع القادة الذين يحاولون الآن إدارة العلاقة الجيوسياسية الأكثر خطورة بالعالم.»
منذ العام الماضي أعلنت أمريكا سلسلة من الإجراءات التي وصلت حتى الآن إلى ما يقترب من الحرب التجارية. هذه الإجراءات ليست فقط فكرة ترامب، بل تؤيّدها المؤسسات الأمريكية كالكونغرس وقطاع واسع من الشركات الأمريكية، وحتى من الكتاب والمحلّلين الذين عادة لا تعجبهم قرارات ترامب. وبشكل عام تتهم أمريكا الصين بممارسات تجارية غير عادلة، وسرقة الملكية الفكرية، وزيادة العدوان العسكري، والتدخل في سياستها الداخلية.
إن قرار واشنطن بمعارضة سياسة الصين الخارجية وإستراتيجيتها الاقتصادية هو استجابة هيكلية حتمية لحقيقة أن القوة العسكرية والاقتصادية الإجمالية للصين بدأت تتحدى الآن الهيمنة الأمريكية على العالم، حسبما كتبه كيفن رود. الآن تعيد أمريكا تحديد إستراتيجيتها المستقبلية تجاه الصين، كالإستراتيجية الأمريكية للأمن القومي، وإستراتيجية الدفاع الأمريكية الجديدة، وتقرير وزارة الدفاع الصادر الشهر الماضي عن مستقبل صناعة الدفاع بأمريكا. وحتى خطة إدارة ترامب للانسحاب من معاهدة الأسلحة الكبرى مع روسيا قد تكون في الواقع حول الصين كما كتبت لارا سيليجمان في فورين بولسي؛ فهي خطوة تمهد الطريق لتعزيز القوات التقليدية الأمريكية في الفناء الخلفي للصين، وفقاً لخبراء مراقبة الأسلحة بالإضافة إلى المسؤولين الحاليين والسابقين في الإدارة الأمريكية.
الصين من جانبها أبدت غضبها من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، ومن التحركات العسكرية الأمريكية، فقد أرسلت واشنطن، يوم الاثنين الماضي، سفينتين حربيتين عبر مضيق تايوان في ثاني عملية من نوعها هذا العام وهي الأحدث ضمن سلسلة من التحركات الأمريكية دعماً لتايوان، فيما تعزّز كل من تايوان والصين بشكل متزايد لوضعيهما العسكريين في بحر الصين الجنوبي. وقد صرح وزير الدفاع الصيني قبل أيام، أن جيش بلاده سيتحرك «مهما كان الثمن» لإحباط المحاولات لفصل جزيرة تايوان، قائلاً: «فيما يتعلّق بهذه القضية من الخطورة الشديدة بمكان تحدي الصين.. إذا حاولت أي جهة فصل تايوان عن الصين فإن الجيش الصيني سيتخذ الإجراءات اللازمة مهما كان الثمن»، وقال إن علاقات الصين العسكرية مع الولايات المتحدة مهمة وحساسة، مضيفاً أن الصين لن تتخلى أبداً عن شبر من أراضيها.. حسبما نقلت رويترز.
بكين لديها بالفعل الصواريخ الباليستية التقليدية والصواريخ التي يمكن أن تضرب المرافق الرئيسية في الولايات المتحدة في المنطقة، مثل قاعدة كادينا الجوية في اليابان. وهي أيضاً تطور طائرات الشبح المقاتلة. ونتيجة لذلك، يتم دفع المزيد للتأكد من صحة الكلمة، ربما تكون الأساطيل الأمريكية والموجودة في منطقة المحيط الهادئ إلى مناطق أبعد فأبعد عن الشاطئ، وبكين قادرة على مواصلة تعزيزاتها في بحر الصين الجنوبي دون هوادة.
إذا كان الوضع الحالي يشهد توتراً بين الطرفين وتصعيداً أمريكياً سيكون لها آثار خطيرة على العالم، فعلى الطرفين ومعهما المجتمع الدولي النظر في العواقب التي يمكن أن تنتج جراء هذا التصعيد ومعالجته كي لا ينزلقا في فخ ثوسيديديس، أو كما قال أليسون «إن كلا اللاعبين الرئيسيين في المنطقة يتقاسمان التزامًا أخلاقيًا بالتوجه بعيداً عن فخ ثوسيديديس.»