عبده الأسمري
يجول بنا العمر عبر محطاته.. وتسير بنا قافلة الزمن في دروب القدر عبر اختيار وانتظار في منظومة تبقى في قيد «الغيبيات».. نكبر فتكبر معنا الحصيلة منتظرين «الحصاد»، نسير تائهين ما بين عتاد متاح وسداد منتظر.. تكتنز عقولنا عشرات الحكايات والقصص والذكريات تتأرجح في كفة «الزمن» وتجول بنا بين استرجاع موسع واستدعاء موجع.
نقضي وقتًا في منازلة «الندم» وفي نزال «الهمم» مع حنين وأنين يقتص نصيبًا مفروضًا من فكرنا يوميًّا.. نعيش الحاضر ونتشبث ببقايا قوة لنواجه الظروف ونستميت لتنظيف ذواتنا من موجات ألم تحترف الفجائية رغمًا عن أوقات «الفرح».. فنظل في صراع يلفه «الصمت» ويقين يحفه «السلوان» بأن العمر سيرة مكتوبة مقروءة بإمضاءات «النفع» تمسحها وشايا «الناقمين» على النجاح مؤقتًا وتعيدها دعوات «المسجوعين» بالفضائل دومًا.
تعتمر أذهاننا «الأماكن» الأولى.. طرق المدرسة ووجوه معلمي الحروف الأولى وعقابات الدروس الموشحة بندى الصباح.. وقوافل الكادحين في مراعي القرى وصيحات الفالحين في مواسم الربيع.. ننتظر طيورًا مقيمة كانت تؤنس الصباحات الأولى في ذلك الوقت فيما لا نرى بعد هذه السنين سوى أسرابٍ مهاجرة وأخرى تحتل أسطح «المنازل» باحثة عن «حقول طغى عليها الأسفلت».
نتذكر عناوين «البراءة» وجمال «الفطرة» في تجاعيد الآباء والأجداد فنبحث عن تلك الوجوه التي أرغمت الذاكرة على حفظ الأفعال قبل الملامح.. نستذكر انعدام «الغرباء» في مجتمع مصغر يعيش بلا حواجز.. نستدعي تراتيل المساء ورائحة بقايا المطر المختلطة بالطين وسط ظلام مضيء بإضاءات مركبات محددة بأصواتها وخارطة سيرها وتوقيت حركتها.. لذا ظلت الحياة اليومية في حينها «يومًا مكشوفًا مشتركًا ومقسومًا بين الجميع».
نتذكر قائمة «الراحلين» فتنكص بنا الذاكرة إلى «الفراغ» وتسير بنا إلى فضاءات خالية تقطعها الأصوات والصور المبرمجة في عقولنا فتأتي «المعادلة» مضنية في التفكر والتدبر موغلة في الوحشة مستعصية على «المألوف» عصية على «الإذعان» فنرتقي سلالم «اللوذ» بالله فتملأ قلوبنا «سكينة» الأعجاز الرباني فنستعيد توازن كادت الحياة أن تفقده وأوشكت أنفسنا أن تضيعه.
تعتمر شاشة الخيال يوميًّا وجوه متعدده تتمحور بين المعروف والنكران وتتنوع بين الخذلان والعرفان.. بعضها يقبع في سلة محذوفات يسترجع بأمر الذاكرة أو الاستدعاء المؤقت أو الاسترجاع الإجباري وبعضها يرتكز في قائمة «الشرف» ونوع يظل في مسار «الهامشية» كلها تحضر كخطوط عريضة أو نقاط أو فواصل رغما عن «عنوانها البشري» وبعدها الإنساني.
القرى والمدن.. وأحاديثها وأركانها وأبعادها.. حركة البشر بين دوائر «الحياة» وتحرك الإنسان في ارتكاز الهم اليومي نحو ركائز المصالح أو اتجاهات الهموم كلها تدوينات إجبارية في ذاكرة تظل متأرجحة بين التفاؤل والتوجس.. لتبقى الأماكن سرًا يربط النفس بالعيش وتظل وجوه العابرين محطات للتوقف أو حظوظًا للنجاة..
بين الوجوه والأماكن تكمن الأحاديث وتقتص الحياة جزءًا من كينونة «الترقب» وتستأثر العقول بأجزاء من خطة التعامل فيسير الإنسان في دربه المفترض نحو نتائج افتراضية من الندم أو التقدم.
هجير عمر وحديث ذاكرة وانتظار غيب ثالوث «حياتي» حتمي يشكل معركة مع «الذات» وتصفية خاصة بين كشف حساب النفس مع إصرار السلوك وصيرورة العيش ومكملات «البقاء»..
جبلت النفس على تداعيات الذكريات التي لا تتوقف.. فنتطلع إلى ذاكرة «خائنة» في ثورات «السوء» ودقيقة في رصف جسور التفاؤل حتى نواجه سوءات العزلة وويلات الشرود ومعارك الإثبات وصولا للثبات.
أنها الحياة نعيش فيها بين قدر محتوم وتغيير حتمي وسط أحداث العمر وأحاديث الذاكرة لذا فإن العقل الأداة «المثلى» لتوجيه النفس نحو الاستقرار وتوظيف الفكر حيث القرار الأمثل في الاستفادة من نبع العبر والانتهال من معين التجارب للمضي قدما إلى الإيجابية والطمأنينة والتوازن بين تداعيات الماضي ومعطيات الحاضر ومتطلبات المستقبل.