عبدالوهاب الفايز
وكان هذا هو الوضع، بعد الحادث المؤسف..
فجأة انفجرت الحملة المنسقة، ومتعددة المصادر، ثم استفقنا واستوعبنا ما يجري، وكان السؤال حاضرا:
(ليصل صوتنا للخارج.. أين ننشر، وفِي أية قناة نتحدث لكي ندافع عن بلادنا، لكي نوضح وجهة نظرنا؟ لدينا ما نقوله، ولدينا القدرة على أن نكتب ونتحدث بموضوعية ونعبر عن رأينا، كمستقلين، نحن نمثل أنفسنا ولا نمثل الحكومة، الصحافة العالمية الرئيسيّة لن تقبل منا إذا نحن نقدم وجهة نظر أخرى في الأحداث، هم يقبلون النشر أو الاستضافة في البرامج التلفزيونية إذا عبرنا عن وجهة النظر التي يرغبون سماعها، أي: ننتقد حكومتنا وبلادنا، هنا يفتحون لنا الأبواب ويضعون مشاركاتنا في الواجهات الأمامية).
هذا السؤال تداوله السعوديون من المفكرين والإعلاميين والمهنيين المتخصصين في الأسابيع الماضية، وكان أقرب إلى التعبير عن (القلق والأسى) وهم يَرَوْن الحملة الشرسة على بلادنا في الإعلام العالمي، فالحملة لم تستهدف الحكومة أو أشخاصا محددين، بل اتجهت إلى البلد كله، وهذا الذي جعل كل الشعب السعودي يتخذ موقفا موحدا مدافعا عن بلاده، وهذه حالة متجددة وليست غريبة، فالدفاع عن الجبهة الداخلية أصبح في الأولويات، لأننا أدركنا حجم المخاطر المحيطة بِنَا.
أين نتحدث، أين ننشر لكي يسمع العالم صوتنا ويعرف رأينا وموقفنا.
هذا كان هاجس الكثيرين، وهذه ليست المرة الأولى التي يتضح فيها انكشاف ضعف تواصلنا الإعلامي مع العالم. هذا وضع مدرك وملموس، ومع الأسف أن علاج هذا الخلل تم عبر استحداث مشاريع لوسائل التوصل الاجتماعي، وهذه رغم أهميتها إلا أنها ليست كافية، هي مناسبة لإعطاء المعلومات وللتعبير السريع عن المواقف، ولتسويق المحتوى الأصلي الأساسي، وهذا الذي شاهدناه في الحملة الأخيرة.
لقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي في أوروبا وأمريكا، وحتى في البيئة القريبة منا، دورا رئيسيا في تسويق المقالات والقصص الإخبارية والبرامج التلفزيونية التي تنشرها الصحف والمحطات الرئيسيّة العالمية، وهنا برز بوضوح ما يقوله العارفون بطبيعة الإعلام، فوسائل التواصل الاجتماعي تابعة ومكملة، ولكن (قاطرة الإعلام الحقيقية) هي وسائل الإعلام التقليدية التي لديها الحد الأدنى من المصداقية في المحتوى، والقادرة على إنتاج المحتوى العميق، أي خلاصة الفكر والرأي والتحليل الذي يقدمه المفكرون والباحثون والخبراء المتخصصون، ويبقى دور (المؤثرين)، المغردين وغيرهم، فعالا في استخدام هذا المحتوى وتسويقه.
الصحف ومحطات التلفزيون التي تكيفت مع نموذج التحول الإعلامي واستثمرت في إنتاج المحتوى العميق الخاص بها، يبرز تأثيرها القوي في توجيه الرأي العام، وهذا الذي نحتاجه لكي نوصل صوتنا للعالم. نحتاج المنصة التي تتيح إيصال المحتوى العميق المحترف الذي يشرح ويفسر الأحداث ويقدم موقفنا من القضايا المطروحة.
في الواقع ليس لدينا قصور في الإمكانات والتجهيزات في وسائل الإعلام، لدينا فائض! المشكلة في الموارد البشرية التي تعرف كيف تقود وتدير وتوجه الجهد الإعلامي، والإعلام المعاصر رأس ماله الأساسي هو الموارد البشرية المحترفة، فتوسع وتطور وسائل نقل وإيصال المحتوى المتاحة بالمجان، توفر الاستثمارات الرأسمالية المطلوبة لإطلاق وسيلة إعلامية جديدة أو تفعيل ماهو موجود.. المهم وجود القوي الأمين.