د. جاسر الحربش
إن لم يكن تعاطفاً مع أطفال وعجائز فلسطين فعلى الأقل من أجل فلسطين الأرض والهوية والتاريخ وإبراءً للذمة أمام الله العادل المقتدر. يا شرفاء العرب قفوا على الأقل مع شرفاء العالم ضد العنصرية الهمجية.
حقوقيون من كل العالم، أكثرهم غربيون مسيحيون ويهود من أوروبا وأمريكا وكندا يغامرون بأرواحهم ويذهبون إلى الداخل الفلسطيني المحتل لاستطلاع الحقائق، تجاوزاً للإعلام المتحيز لطرف واحد. أغلبهم يعود ممتلئاً بالغضب والقرف من استسهال قتل جنود الاحتلال للأطفال والشباب العرب لمجرد التسلية والسخرية في الكثير من الأحيان. ينقلون في تقاريرهم التي لا تبثها الفضائيات الكبرى وإنما وسائط الاتصال الشبكي أن الجنود الإسرائيليين يطلقون الرصاص عمداً على المناطق التناسلية، على منطقة الرحم والأنوثة للفتيات ومنطقة الذكورة للشبان، والهدف تعطيلهم عن الإنجاب وشلهم عن الحركة. تخترق الرصاصة القانصة الحوض في الوسط فتعدم الخصوبة وتقطع الحبل الشوكي إلى الأبد.
تقول حقوقية أمريكية عائدة من هناك إنها شاهدت الجنود الإسرائيليين يعدمون امرأة مسنة على الحاجز (هكذا في النص) لمجرد أنها لوحت لهم بتصريح علاج حصلت عليه بعد عناء شديد لعلاجها في الداخل الإسرائيلي حيث لا يتوافر لها ذلك في مكان آخر. أطلقوا عليها الرصاص وأعدموها على السياج. هكذا قالت السيدة الأمريكية، ثم تواصل: إنهم يقتلون الفتيات والفتيان لمجرد التلويح بعلم فلسطين أو إدخال اليد في جيب البنطلون.
يقول أكثر من عاد سالماً إلى دياره في الغرب من جولة استطلاع في الأراضي المحتلة إن الفلسطينيين في الضفة الغربية يخضعون للحكم العسكري على مدار الساعة ولترويع عصابات المستوطنين. كل حركة خارج حيزهم المعيشي الضيق تحتاج إلى تصريح وتفتيش.
السكان المكدسون في غزة محاصرون من كل الجهات، يفترسهم الفقر والبطالة ويقتنصهم الطيران الإسرائيلي بالآلاف في دورات موسمية.
هل هناك من يتحرك ضد هذا الطغيان العنصري ؟. نعم هناك من يتحرك، وهي حركات حقوقية إنسانية مثل تلك التي أطاحت بحكومة البيض العنصرية في جنوب إفريقيا، ثم تقاسم السود والبيض السلطات والأرض والمياه وحق الحياة في وطن واحد، ولم يتم طرد البيض ولا مطاردتهم واضطهادهم.
العنوان الأبرز لهذه الحركات هو BDS، اختصاراً للكلمات الإنجليزية قاطعوها، اسحبوا الاستثمارات منها وعاقبوها. لهذه الحركات مؤيدون ومتابعون بالآلاف في كل العالم وخصوصاً في الغرب الأوروبي والأمريكي. هذه الأصوات ترعب المؤسسة الصهيونية العنصرية أكثر من كل الجيوش العربية، وفي داخل إسرائيل نفسها عقلاء وشرفاء يهود يناصرون هذه الحركات ويعرِّضون أنفسهم للاضطهاد والتهديد بالاغتيال، لكنهم يصرون على تحذير الإسرائيليين من نفس المصير الذي واجهه البيض في جنوب إفريقيا فهي مسألة وقت فقط حتى يحدث ذلك، هكذا يقولون.
المطلوب من العرب أضعف الإيمان، وهو تأجيل القبول بالأمر الواقع ومناصرة التيارات العالمية الحقوقية، على الأقل لوجه الله ثم من أجل الأرض والهوية والتاريخ.