الثقافية - محمد المرزوقي:
قال الزميل الدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن التركي، مدير تحرير الشؤون الثقافية بصحيفة (الجزيرة): إن كتابه «من حكايات الشيخ عبدالرحمن السعدي»، الذي أصدره عن دار بيسان، ليس عرضاً لسيرة «الشيخ الإمام»، أو قراءة لمسيرته، فقد كفته عنها دراسات وبحوث سعت لرصد حياته العامة بما شملته من نشأة وطلب علم وغمامة وتأليف، فلا إضافة لما سبق من إضافات، جاء ذلك خلال حديث الزميل التركي في «ملتقى كتاب الشهر» الذي إقامته مكتبة الملك عبد العزيز العامة بمقرها الرئيس في طريق خريص بمدينة الرياض، وذلك مساء أمس الأول، حيث أدار اللقاء الدكتور فهد العليان، الذي استهل الأمسية مرحباً بضيفها وبحضورها من الجنسين، مستعرضاً خلال حديثه ما كتبه في صحيفة (الجزيرة) تحت عنوان (حكايات إبراهيم)، التي قصد بها مما حكاه التركي في حساباته الشخصية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وبأن التركي مؤلف بلغت كتبه خمسة عشر كتاباً لم ولم يتقاض عليها ريالاً واحداً، إيماناً منه بأن القارئ يستحق ذلك لأنها كتبت له، منوهاً بالهدف الرئيس من الملتقى، الذي يعد جسراً لتجديد الصلة بالكتاب عبر ما يقيمه الملتقى من فعاليات. ومضى التركي في حديثه عن فكرة هذا الإصدار قائلاً: لعل فكرة الكتاب توضح هدفه، إذ حرص صاحبكم على استيعاب «الحكايات»، التي ينقلها من عاش مع الشيخ، أو تعايش معه، ورأى – وهو الذي لم ير الشيخ – منهجاً دعوياً، تربوياً، إصلاحياً يقوده الهدوء والحكمة والحنكة والرفق في «شخصيته»، قادرة على تحويل السلوك الإنساني القويم إلى نموذج بشري قابل للاحتذاء والتعميم، وحين أوكلت له إدارة ندوة «جماهيرية»، عن الشيخ، وجد في الذاكرة الجمعية مادة شفهية لم تحفل بها الكتب، فعرض بعضها في ندوة مركز ابن صالح الثقافي ونشر معظمها علي شكل مقالات في صحيفة (الجزيرة)، وفي (المجلة العربية)، لمست بعدها أصداء إيجابية لهذا الجانب الشفاهي غير المدون فتحدثت مع العم الكريم محمد العبد الرحمن السعدي (ابن الشيخ الإمام)، فوعدني بعون من ابن أخته مساعد العبدالله السعدي، بتسجيل بعض الحكايات الأخرى التي يعرفها بحكم ملازمته لوالده، ليزودني بعد بضعة أشهر بمخطوطة أسماها: مواقف من حياة الوالد الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي، موضحاً التركي أن كتابه عن السعدي يهدف إلى الدراية لا الرواية. كما استعرض التركي العديد من السمات الشخصية اليت اتصف بها الشيخ، من حسن الخلق، وريحية الطبع، وتواضع العالم، ولين الجانب، ورحابة الصدر، مستشهداً على كل صفة من هذه الصفات بالعديد من الحكايات، التي ذكر منها المحاضر، أن السعدي عندما يكون في سفر ويعلم أن هناك مدخناً، يترجل بعيداً عن مكان السيارة، ليترك لذلك المدخن حرية التصرف، حتى لا يشعر بحرج منه أو مشقة! متناولاً الصفات العلمية التي تفرد بها السعدي عن مجايليه، وذلك من خلال موقف السعدي من المعاصرة بمختلف وسائلها وعلومها، مشيراً في حديثه إلى أن السعدي منفتح على العلوم العصرية ووسائلها المختلفة، كالعلوم الاجتماعية، وعلم الفضاء، الذي عندما سئل عن ريادة الإنسان للفضاء، فأجاب: وما المانع إن تمكنوا من ذلك؟! في وقت كانت الفكرة في أشد ما تكون حالات المعارضين لها! إذ إنه – رحمه الله – له عديد من الآراء التي منها: الجواز بنقل الأعضاء في وقت لم يكن هناك من يرى رأيه ، وبأن الربا لا يجري على ورق البنكنوت، فلقد كان يتسم فكر السعدي بما يمكن وصفه بـ(التجاوز) في الرؤية بطريقة تجاوز فيها عديد من الآراء والفتاوى التي كانت شائعة آنذاك، ولعل منها رأيه في (يأجوج ومأجوج) التي ربطها باكتشاف الأرض، ما أدى ذلك إلى معارضته بشكل كبير، ومن ثم تم استدعاؤه لمناظرة المعارضين له في مجلس الملك عبدالعزيز – رحمها الله – لكنها لم تتم بطلب من المؤسس، واغتم حين طلب منه تولي القضاء في عنيزة، إلا أنه سافر إلى مكة ومكث فيها وقتاً، إلى أن ولي قاض آخر ليعود بعد ذلك إلى عنيزة، التي يرى بعض الباحثين أن تسامح أهلها، كان رافده الرئيس ما كان يشيعه السعدي من آراء وفتوى تقوم على التسامح، وسعة الأفق، وتجاوز البيئة الفكرية التي ردها البعض إلى أسفاره، رغم أنه لم يسافر إلا مرة واحدة للاستشفاء في لبنان وذهب خلالها إلى سوريا ليوم واحد لزيارة قبر ابن تيمية. وقال التركي: رغم أن السعدي من أوائل من ردوا على القصيمي بعد إصداره (التحولي)، «هذي هي الأغلال»، سنة 1946 بكتاب أسماه الشيخ: «تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله»، فقد تمنى له الهداية والرجوع إلى الحق، ولم يكفره، ولم يستثر عليه السلطة، ولم يحرض عليه، ولم يبك ضياع الدين أو اختلال القيم! مستشهد التركي بموقف آخر مع الشيخ المصري محمد الدناصوري في الوقت الذي كان يقوم فيه بالتعليم في أحد أحياء عنيزة، مما أثار حفيظة الناس عليه في قضية تمثلت حول (قطعية اللفظ وظنية المعنى) ما جعل من السعدي يتثمنه ويقف مدافعاً عنه حتى غادر عنيزة! كما لم يكن يرى تكفير بعض أهل البدع كالجهمية والمعتزلة، وقد شهد الملتقى حضوراً من الجنسين، الذين تفاعلوا مع المحاضر بالأسئلة والمداخلات، التي استهلها الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، واصفاً حياته خلال فترة طفولته حتى الثالثة عشرة، بأنها ارتكزت على أربعة أركان: والده؛ المدرسة الابتدائية في عنيزة؛ الدكّان؛ مسجد الشيخ السعدي؛ مشيراً إلى أن السعدي كان ذا سعة علم واطلاع وانفتاح على المستحدثات في عصره، إذ كان أول مؤيد لاستخدام مكبرات الصوت، التي سئل عن استخدامها في الحرم المكي 1365 فكان رده، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، مشيراً الشبيلي إلى أن مسرحية عرضت بحضور السعدي كانت تمثل لدور صحابة، ومعهم (امرأة) في دور صحابية، فلم ينكر عليهم. أما الدكتورة سعاد المانع فقد تساءلت في مداخلاتها عن كيفية تنزيل فتوى السعدي فيما يتصل بالعملة الورقية، والعوامل التي جعلت منه صاحب تجاوز في الرؤية ومن ثم الفتوى في زمن ساد فيه التشدد والانغلاق لطبيعة الزمان وخصوصية المكان، ومستوى التعليم، فيما جاءت مداخلة انتصار عبد الله في السياق الديني نفسه، فيما يتعلق برؤية السعدي إلى يأجوج ومأجوج ومسألة وجودهم في ظل ما كان يؤمن به السعدي من اكتشاف مختلف قارات كوكب الأرض، بينما تحدث فهد العثمان في مداخلته عن الجمع بين البعدين العلمي المنفتح على مختلف العلوم في وقت تشح فيه المعرفة، وما تميز به السعدي من سمات في شخصه، جعلت كل من عرفه يجمع على حبه، حيث تقاطع عديد من الأسئلة والمداخلات في موقف السعدي من أطروحات العلوم الأخرى كالجغرافيا، والتفسير، ومصنفات المذاهب الفقهية، إلى جانب عديد من المؤلفات (المترجمة)، التي كان للسعدي موقف متفاعل معها بالقراءة تارة، وبالإهداء تارة أخرى، إلى جانب ما أكد عليه الأستاذ عبدالرحمن بن معمر من أهمية تبني المجامع الفقهية لفتاوى السعدي المستنيرة والعناية بإبرازها لما تمثله من أنموذج مهم للباحثين والدارسين في العلوم الشرعية، وقد حضر الملتقى عدد مميز من السادة والسيدات وفيهم من لم تنقله الصور أو تشر إليه المداخلات كالدكتور أسعد عبده والدكتور زيد الدريهم والأستاذ هذلول الهذلول والزميل عادل الدوسري والأستاذ علي العقل والمحامي معاذ الصويان والأستاذ عبدالله السمطي والأستاذ سعد السنيدي والأستاذ فهد العبدالكريم والدكتور خالد الميمني والزميلة حنان القعودوم نحصل على أسماء بعض الحاضرات.