ظلت حركة الاستكشاف الغربي للشرق منذ سقوط الأندلس بيد القشتاليين حتى مطلع القرن العشرين أي منذ عام 1492م حتى بداية القرن العشرين وهي مدة ليست بالقصيرة وإذا صح ذلك نجعل دي فارتيما البولوني سنة 1502م أول من أُوعز إليه مهمة الاستكشاف البرتغالي لشبه الجزيرة العربية للتحضير لضرب العالم الإسلامي كما يروون! كانت كل الدول الإسلامية والعربية منها خاصة كتاباً مفتوحاً للغزاة للضعف العسكري والاقتصادي والسياسي أيضاً حيث أن ترامي أطرافها جعل الحكومة المركزية العثمانية تستخلص الجبايات والضرائب ونهب الخيرات بحاميات صغيرة لا تستطيع خوض معارك كبيرة أو حتى القضاء على اللصوص وقطّاع الطرق إلا حين ترى تمرداً أو استقلالية من أحد الأمراء فعندئذ تكون الجيوش على أهبّة الاستعداد لعلمهم بضعف الخصم، وكانت الدول العربية عبارة عن حاضرات ومدن صغيرة متقاربة وسهول ومرتفعات ووديان وشواطئ ما عدا الجزيرة العربية والتي تحفها الصحراء من كل مكان فهي أشبه بالطلسم الخفي الذي يحاول الغربي أن يدرك كنهه وماهيته لذلك كان الرحّالة إذا أراد أن يمخر عبابه داخل الجزيرة أن يطلب الإذن المسبق من أمراء الحدود أو من المستعمر الأجنبي حتى يضمن له سلامته وحيث يُحذّر أشد التحذير بأنه قد لا يعود سالماً إن حاول أن يسلك طرقاً أخرى غير التي رُسمت له فالداخل مفقود والخارج مولود ! ذلك إن لم تبتلعه رمال الصحراء وقطّاع الطرق فإن القبائل المتناحرة تجده صيداً سهل المنال ! عدا بعض الأمراض المتفشيّة والتي لم تكن الأجواء الأوروبية قد جربتها من قبل ! كما حدث للرحالة نيبور عندما فقد ثلاثة من أصحابه ولم يعد منهم إلى كوبنهاجن سواه، وعلى ذكر كوبنهاجن عاصمة الدانمارك فإن الدول الأوروبية القوية ليست الوحيدة التي أرسلت رحّالة مكتشفين فحسب بل معظم الدول الغربية الأوروبية كبلجيكا وسويسرا والنمسا وهولندا وإيطاليا وألمانيا وغيرهم قاموا أيضاً بنفس الدور وكأنه سباق محموم نحو كنز دفين يريد كل واحد منهم الاستئثار به دون الآخر ! وأيضاً من الأسباب وجود المقدسات الإسلامية كالحرم المكي والمدني والحرص على عدم وجود أجنبي لا يدين بدين الإسلام فيه أمر بالغ الأهمية والخطورة يقول كارستن نيبور عن رحلته إلى جدة (لم نشعر قط بخوف كخوفنا من هذه الرحلة بين السويس وجدة لأننا كنّا لا نزال نعتقد أن المسلمين يعتبرون المسيحيين غير جديرين بالقيام بهذه الرحلة التي يعتبرونها مدّسة)! وبما أن شبه الجزيرة العربية معقل الإسلام والعروبة فهي الأساس الذي تنطلق منه التشريعات وموئل المقدسات فكانت هي مادة الإسلام الذي كان عليهم أن يحطموه حتى يبلغوا أهدافهم بسهولة ويسر وهذه إحدى الحجج التي تحمس لها المسيحيون الأوروبيون ولكن هناك أهداف أخرى مضمرة عند الطبقة الحاكمة السياسية ويكمن ذلك في النفوذ الاقتصادي واكتشاف مستعمرات جديدة تدخل حيّز النفوذ كذلك المنافسة الشرّسة بين دول أوروبا في توسيع حصص المستعمرات للنمو الاقتصادي والعسكري للدولة حتى تدرأ عنها مخاوف الضعف والانحلال ناهيك عن جشع بعض الملوك الأوروبيين في توسيع إمبراطوريته حتى على حساب دول تعتبر صديقة ومسالمة ضارباً عرض الحائط القيم والمبادئ والخُلق لذلك انصب اهتمام الغرب كله على الجزيرة العربية كموقع استراتيجي بالنسبة للشرق في رحلات استكشافية مموّهة ومريبة بغية الوصول إلى كيفية اختراق تلك المنطقة بهدف وضع قدم أوروبية استعمارية فيها!.
** **
- زياد السبيت