لم يكن ذلك حلماً.. كان وطناً مسكوناً بالحقيقة.. مسكوناً بجنونه نحو تعمير القلب ببقايا من الصدق والفضيلة.. كان هاجسه الوحيد أن يلم كنوزه المبعثرة في أرض تلك الديار البعيدة التي اختارها ليجد فيها رسمه.. وألوانه فيضعها في لوحته الخالدة.. لكن الوقت لم يكن في صالحه.. إذ وجد الأرض قد غرقت في وحل من رماد الليل.. واليبس طال أعشابها الخضراء..
والنخل يتسلق الهباء.. والمياه..! وآه من المياه لم يعد يبقى منها
سوى سراب نسقى منها الأماني الهاربة.. وحق لها الهروب.. حق لها الذبول.. والتواري خلف هضاب الضباب الجبلي.. فلم يعد بالإمكان مطاردتها من جديد.. أو دعوتها لحفل بهي..!
فقد أيقن القلب أن الزمن يسبقه ويسرق منه كحل الأحلام.. ويختبئ منها وبها وراء جدران التشرد والجلاء..!
وليس له إلا العبور ببطء حتى يجد بعض الحياة في قارورة ماء وليس سراب..
** **
- د. أمل العميري