عبد العزيز الصقعبي
يعاني عدد كبير من الباحثين في الأدب بالمملكة العربية السعودية من قلة المراجع والكتب عن كثير من الأدباء والمفكرين، وعدم توفر إصداراتهم في المكتبات، بل إن هنالك كثيرًا من الرموز الأدبية غابت وطواها النسيان لعدم توفر أي معلومة عنها في المكتبات، وفي السنوات الأخيرة وبسبب سهولة النشر ووجود التقنية الحديثة، أصبحت الفرصة متاحة لمن يلج المشهد الثقافي أن يبقي له إرثاً تتداوله الأجيال وفق قدرته الإبداعية وتمكنه من تقديم عطائه الأدبي بصورة جيدة.
ونعلم أن كثيراً من رواد الأدب في المملكة كان لهم الحضور الجيد في زمنهم، وكانت بعض كتبهم متداولة بين أيدي القراء، ولكن هذا التداول لا يستمر طويلا لمحدودية نسخ تلك الإصدارات، وتوسع المساحة المتاحة للقراء، بحيث يجدون أمامهم كتبا من كل أصقاع الأرض، لذا لا يعنيهم مطلقاً أن هذا أديب متميز في زمن سابق ليبحثوا عن كتبه.
المكتبة السعودية تحتاج إلى عمل مؤسسي، لتكوين البنية الأساسية لها، وتتمثل هذه البنية بإعادة نشر كتب الرواد، ودعم إصدارات الأجيال التي جاءت بعدها وهي على قيد الحياة، أمر آخر ومهم وهو رصد وحفظ البحوث الأكاديمية والدراسات التي قدمت عن الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية.
بالطبع المكتبة السعودية لا تقتصر على الأدب فقط بل بشمولية أكبر كل إصدار ثقافي وفكري وعلمي، ونحن نعرف أن حفظ النتاج الفكري المطبوع من مهام مكتبة الملك فهد الوطنية، وقد قامت بهذا العمل منذ اعتمادها كمكتبة وطنية، لتضيف إلى ذلك رصد الكتب بأرقام إيداع وكذلك أرقام دولية معيارية، لتصبح خزانة الكتب في المملكة العربية السعودية.
وأنا أتحدث عن المكتبة السعودية كمسمى مجازي، رغبة في أن يكون الكتاب الصادر في المملكة العربية السعودية موجودًا في كل المكتبات العامة والخاصة وأيضاً التجارية، نحن هنا لا نواجه مشكلة بالحصول على كتب العقاد أو نجيب محفوظ أو جمال الغيطاني، ولكن أي باحث أو راغب بقراءة كتب الرواد سيجد صعوبة في الحصول على كتب محمد حسن عواد أو أحمد السباعي أو عبدالله بن خميس أو عبدالله جفري أو إبراهيم الناصر... والقائمة طويلة. أعتقد أن البنية التحتية للمكتبة السعودية مشروع مهم لإيجاد قاعدة قوية للثقافة في المملكة العربية السعودية، وأتمنى من وزارة الثقافة وهي وزارة فتية ما زالت في طور التكوّن، أن تجعل المشروع الأول لها رصد الحركة الفكرية والأدبية في المملكة، وتكوين لجان لإيجاد آلية لإعادة نشر كتب الرواد ورقياً وإلكترونيات ودعم نشر الكتاب السعودي وفق ضوابط بحيث لا يدعم إلا ما هو جيد ومتميز، مع ضمان حقوق الكتاب، وإصدار السلاسل الإبداعية. ويأتي أيضاً من ضمن البنية التحتية للمكتبة السعودية، البحوث والرسائل الجامعية والدراسات والمقالات عن الأدب والأدباء في المملكة، فهنالك عدد من الرسائل الجامعية عن كتاب وأدباء سعوديين، وهنالك سير لكثير من الأدباء، ورصد لحياتهم وعطائهم الأدبي والفكري، والشيء بالشيء يذكر، قبل أسبوعين أصدرت المجلة الثقافية بجريدة الجزيرة عددًا خاصاً عن الدكتور سعد البازعي، ويأتي هذا الإصدار امتدادًا لمسيرة اتخذتها المجلة الثقافية للاحتفاء بأعلام كان لهم فعل ثقافي في المملكة، لم يتوقف ذلك عند النشر في الجريدة عبر الملحق بل تحولت تلك الملفات عن المبدعين ورواد الثقافة والفكر إلى إصدارات مهمة أثرت المكتبة السعودية منها الاستثناء عن الدكتور غازي القصيبي، وسمو الأمير خالد الفيصل والرائد عبد الله بن خميس وكذلك جميل الحجيلان وغيرهم لتصل السلسلة إلى عشرة مجلدات رصدت بعضاً من سيرة أربعين رمزاً ثقافيا سعودياً وما كتب عنهم. جهد يحسب للقائمين على ثقافة الجزيرة، وسيبقى للتاريخ، وحين نتابع رصد سير الأعلام والكتابة عنها نتذكر جهد الأستاذين القديرين محمد القشعمي ومحمد السيف، ومن جانب آخر جهد الزميل خالد اليوسف في رصده لسير الكتاب، ولا ننسى جهد دارة الملك عبدالعزيز في إصدارها قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية، وقبل ذلك إصدار قاموس الأدب السعودي، وأنطلوجيات الإبداع. كل تلك الإصدارات عنلأدب والأدباء وكل ذلك الجهد يجب أن يكون مؤسساتياً، لأن بتوفر الإصدارات ونشرها سيتم تكوين قاعدة قوية للثقافة في المملكة، وبالطبع الثقافة ليست وليدة هذا الزمن الحديث بل يمتد تاريخها منذ ما يقارب القرن ونحن نعرف أن رواية التوأمان لعبد القدوس الأنصاري صدرت عام 1930م.
مشروع تكوين البنية الأساسية للمكتبة السعودية سيكون له أثره على الأجيال القادمة، وسيعرف كل مبدع في المملكة أنه ليس عشبة برية بل إن جذوره ممتدة في أعماق الأرض.