محمد عبد الرزاق القشعمي
الكتاب بمفهومه كأوراق مترابطة سواء منها المطوية أو المطبوعة عرف مع نشأة اللغة، ولكنه ارتبط حديثاً بتاريخ الطباعة في القرن الخامس عشر، إذ طبعت أولى الكتب حديثاً لـ (جوتنبرغ) مخترع الطباعة بين 1448 و1456، ومنها كتاب التوراة الذي طبع عام 1456 ويعتبره المؤرخون أول كتاب مطبوع بالحروف المتفرقة.
ويعيدنا الكسندر ستيبتشفيتش إلى القرن الثامن الميلادي حيث بدأ إنتاج الكتاب وانتشاره، بعد أن بدأ العرب بإنتاج الورق، وكانت الروايات والأشعار تنتقل من فرد إلى آخر بالمشافهة قبل ذلك، وقال:».. ولكن لدينا في القرآن ذاته معطيات كافية تشير إلى أن العرب كانوا يستخدمون الورق قبل ظهور الإسلام وغيره من مواد الكتابة لتدوين النصوص التجارية والإدارية إلخ.
ومع إنتاج الورق بدأت المرحلة الذهبية للكتاب الإسلامي فقد ازداد عدد المخطوطات كثيراً وأخذ التنافس يشمل الخلفاء والوزراء والأغنياء على اقتناء الكتب الغالية والنادرة وأصبح الخطاطون موضع البحث والتقدير بينما الكبار منهم يُغمرون بالتواصي والهدايا القيمة.
وكان كثير من الخطاطين يعملون في المكتبات، حيث ينسخون هناك المؤلفات لحساب تلك المكتبات، بينما كان كبار الخطاطين يعيشون في قصور الخلفاء حيث ينسخون المؤلفات الغالية للمكتبات الخاصة. وإلى جانب هؤلاء كان هناك خطاطون يعيشون فقط من عملهم، أي يعملون حسب الطلب. وبين هؤلاء الخطاطين تمتع أولئك الذين كانوا ينسخون القرآن بشهرة خاصة كابن مكلاّ (886-940) وابن البواب (توفي 1022 أو 1032م) الذي يقال إنه كتب بخط يده خلال حياته 500 نسخة من القرآن ..».
وقال إن المدن الإسلامية تنشط بتجارة الكتب، إذ كان الوراقون يفتحون دكاكينهم أمام الجوامع والمدارس، وكانت تلك الدكاكين لا تقتصر على بيع الكتب، ففيها يجتمع المثقفون وغيرهم لمناقشة الموضوعات المختلفة وفيها تنشد الأشعار، ومن مهامها أيضاً نشر المعلومات حول المؤلفات الجديدة.
وقال إن العصر العباسي مزدهر في إنتاج الكتاب، ففي بغداد وحدها يوجد مئة دكان لإنتاج الكتاب، وعلى ظهور الجمال كانت تحمل الكتب من بغداد إلى أقصى البلدان، كما كانت أيضاً تحمل الكتب من هذه البلدان (بيزنطة، وسوريا، والهند) إلى بغداد».
وقال:».. وقد كانت الكتب التي ينسخها الخطاطون المعروفون، أو التي يكتبها المؤلفون أنفسهم غالية جداً ولم يكن في استطاعة أحد أن يقتنيها سوى الأغنياء، وعلى سبيل المثال يكفي أن نذكر أن ثمن كتاب المؤرخ الطبري (839-923م) كما يذكر المقريزي، كان يصل إلى مئة دينار.