د. أحمد الفراج
لم تكد وسائل إعلام أمريكا، التي تحارب ترمب والمملكة حاليًا، تلصق تهمة الطرود البريدية بالرئيس ترمب، وهي الطرود التي أرسلت لزعامات ديمقراطية ولقناة سي إن إن، حتى أقدم متطرف عنصري أبيض على إطلاق النار على معبد يهودي، في مدينة بتسبرج بولاية بنسلفانيا، وحدث ما كان متوقعًا، فقد اتهم الإعلام ترمب بأنه هو السبب وراء ذلك، بسبب لغته القومية، التي يخاطب فيها أنصاره، ويهيّجهم ضد الأقليات، ولأن ترمب يدرك سطوة اليهود الأمريكيين، فلم يدافع عن نفسه بشراسة، كما جرت العادة، بل حاول أن يتحاشى العاصفة قدر المستطاع، لأنه يعلم أن مصير مستقبله السياسي بيد منظمة ايباك، التي إن لم ترضَ عن سياسي أمريكي، فإن مصيره مزابل التاريخ لا محالة، كما حصل لساسة من عيار ثقيل فيما مضى!
إن من باب الموضوعية والإنصاف أن نقول إن اتهام الإعلام الأمريكي لترمب، هذه المرة، لا يخلو من الصحة، فكل شرائح البيض الأمريكيين المحافظين، بما فيهم المنظمات المتطرفة، هم من أنصار ترمب، فأحد أشهر زعامات منظمة الكلو كلس كلان العنصرية، ديفيد دوك، أحرج ترمب كثيرًا، عندما أشاد به عدة مرات، إذ رأى البيض العنصريين في ترمب المنقذ، الذي سيعيد لهم مجدًا مفقودًا، عندما كانت أمريكا وطنًا خالصًا للعرق الأبيض، ويضطهد فيها السود والهنود الحمر واليهود وبقية الأقليات، ولا يعني هذا بالضرورة أن ترمب عنصري مثلهم، بل هو براقماتي، استخدمهم لأهداف انتخابية، وربما لم يدرك قدر الحرج، الذي سيقع فيه، عندما تحصل حوادث من هذا النوع، فمنظمات البيض العنصرية تكره كل ما هو غير أبيض مسيحي، وتكن عداءً عميقًا للسود واليهود.
حاول ترمب أن يعالج الموقف، فقام بزيارة للمعبد اليهودي، الذي قتل فيه 11 شخصًا، وواجهته مظاهرات عارمة، من اليهود واليساريين الغاضبين، ثم تم الضغط عليه ليشجب منظمات البيض المتطرفة، وهذا بالنسبة له خط أحمر، إذ إن ذلك سيغضب شرائح واسعة من جمهوره، ولن يغامر بذلك، خصوصًا وأن الانتخابات النصفية على الأبواب، وقد كان مشهد ترمب في المعبد مؤلمًا، إذ ظهر ضعيفًا منهزمًا، وهذا لا يناسب شخصيته النرجسية الحادّة، والطريف في الأمر، هو أن ترمب اتهم بهذه الاتهامات، رغم أن ابنته ايفانكا اعتنقت اليهودية، بعد زواجها من اليهودي، جاريد كوشنر، الذي حضر للمعبد مع زوجته وصهره، وهو يعتمر القلنسوة، ولا تزال وسائل إعلام أمريكا تنتحب على الحادثة، لأن التعرض ليهود أمريكا يختلف عن التعرض لأي أقلية أخرى، ولأن ايباك تتحكم بكل شيء، ومع ذلك لا أتوقع أن تؤثر هذه الحادثة على نتائج الانتخابات، لأن ترمب هو الرئيس، الذي كانت تبحث عنه إسرائيل منذ زمن طويل، وحقق لها ما عجز غيره عن الوفاء به، أي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.