د. حمزة السالم
كثر التساؤل عما هو الأفضل للمستقبل المهني للشاب والشابة، أهو متابعة الدراسة حتى تحصيل درجة الدكتوراه أم الاكتفاء بالماجستير. وأنا أتعرض لهذا السؤال بشكل يومي تقريباً، ومن خلال مناقشاتي لكثير منهم، أجد كثيراً من المعلومات والفرضيات الخاطئة، والمقترنة بنظرة ضيقة تسطحية، تركز على الحالات النادرة وتتجاهل النظرة النسبية. - أي أن واحداً من عشرة، أكثر نسبة من ألف من مليون- هذه النظرة السطحية المتجاهلة للفرص والاحتماليات، تؤدي للوصول إلى النتيجة الخاطئة: وهي تخلي الطالب المؤهل والقادر عن تحصيل الدكتوراه، والاكتفاء بالماجستير، لأنه أجدى وأنفع للمستقبل الوظيفي أو المهني.
وابتداءً، فإن هذه الفكرة السلبية المهيمنة، تدور حجتها حول الاعتقاد بأن الدكتوراه مهنة بحثية وأنها تمنع من المراكز الإدارية العليا، ويستشهدون بأن أغلب القياديين والمديرين التنفيذيين لا يحملون شهادة الدكتوراه.
فأما معلومة كونها بحثية، هي معلومة فُهمت بالمقلوب. وأما معلومة أن أكثر القياديين من غير حملة الدكتوراه، فهي خاطئة إحصائياً.
فالأرقام تؤكد لنا أن أغلب القياديين في العالم هم من حملة الدكتوراه. ولندع الأرقام تتحدث. فمن مكتب الإحصاءات الأمريكي، فإن قيادات أغنى وأقوى وأنجح 500 شركة يقودها 500 مدير تنفيذي منهم 75 يحملون شهادة الدكتوراه، مقابل 37 فقط من حملة الماجستير. ولا يصلح أن نقف هنا، فالوقوف هنا تسطيح وقصور لا يأتي بنتيجة كاملة إذا تجاهلنا النظرة النسبية، بل قد يأتي بنتيجة خاطئة لو صادف أن عدد حملة الماجستير أكثر.
لذا فبحساب النسبة، سنجد أن من أصل ستة عشر ونصف مليون أمريكي من حملة درجة الماجستير، وصل سبعة وثلاثون منهم إلى قيادة أعظم 500 شركة. هذا بالمقارنة مع ستة ملايين ومائتي ألف أمريكي يحملون الدكتوراه، قد وصل منهم خمس وسبعون لقيادة هذه الشركات.
فباعتبار الأعداد السابقة، فهذا يعني أن فرص وصول من يحمل الدكتوراه لقيادات الشركات الكبرى تبلغ عشرة أضعاف فرص من يحمل الماجستير فقط.
وباعتبار النسبة والتناسب كذلك، فسنجد ان حتى نسبة أساتذة الجامعات الذين كرسوا حياتهم كلها في المعامل والبحوث، هي الأعلى في تبوأ أعلى المناصب القيادية. ففي شاهد متطرف جدا، فإن وزير الطاقة الأمريكي في فترة أوباما الأولى هو أستاذ جامعي في الفيزياء عاش حياته كلها في المعامل والأبحاث حتى حصل على جائزة نوبل في الفيزياء. وما وعى وهو في المعمل غارق في أبحاثه، إلا بأوباما يطلبه لقيادة وزارة من أهم الوزارات لأعظم دولة منتجة ومستهلكة للطاقة، وذلك في فترة تأسيسية مستقبلية حرجة، يُتوقع فيها وضع أساسات ثورة جديدة لمنتجات الطاقة، (وتأمل هذا الموقف، فهو بالكاد يختزل في مقال لوحده). وعموماً فكل من كان يعمل مع أوباما هم من حملة الدكتوراه، ومن وزرائه كرئيس الدفاع والخارجية سابقاً هيلاري كلينتون، وهذا مجرد مثال، وإلا فالأغلب على جميع حكومات العالم سيطرة حملة الدكتوراه على الحقائب الوزارية، بشكل ساحق.
وبالنظرة النسبية، فإذا نظرنا إلى المناصب الرئاسية فكثير من زعماء العالم يحملون شهادة الدكتوراه، ومن أشهرهم وأنجحهم أكاديمياً وبحثياً المستشارة الألمانية البرفيسورة في الفيزياء. وهناك رؤساء أعظم دولتين صاعدتين في العالم، يحملان شهادة الدكتوراه في أهم مجالات التنمية، هما رئيس الوزراء الهندي ويحمل دكتوراه في الاقتصاد من كامبرج. والرئيس الصيني ويحمل شهادة الدكتوراه في القانون من أرقى جامعة في الصين، بعد أن كان تخرج منها من قبل بشهادة الهندسة الكيميائية. وهناك الرئيس التركي والكرواتي والبلغاري واليوناني واللائحة تطول. فلو تأملنا في النسب وفرص الاحتماليات، فكم نسبة حملة الماجستير الذين وصلوا لمناصب رئاسية ممن عموم حملة الماجستير مقارنة بنسبة حملة الدكتوراه الذين وصلوا إلى سدة الرئاسة من عموم حملة الدكتوراه. فالفرق واضح بأن احتمالية الفرص أعلى وأكبر بكثير لصالح حملة الدكتوراه. ولو نظرنا إلى الرؤساء الأمريكيين، فسنجد أن من أصل 43 رئيساً أمريكياً، ستة عشر منهم يحملون الدكتوراه، أو قارب على تحصيلها ولكن أشغلته الحرب أو نحوها.
وأما العوائد المالية، فالأرقام الأمريكية تبين أن متوسط الدخل الشهري في أمريكا هو 11.927 دولار لحملة الدكتوراه، وتشمل الدكتوراه المهنية كالطب والمحاماة، وذلك مقابل 6.700 دولار شهريا لحملة الماجستير، أي الضعف. وكذلك هي معلومات البطالة في أمريكا، نجدها ببون شاسع في صالح حملة الدكتوراه.
فيا بني ويابنيتي، لا تكونا ضحية التثبيط وكره النجاح وأُذناً تسمع لكل من يردد ما لا يفهم ولا يعلم. فباستثناء الحظ والمحسبويات، فإن الذكي ترفعه الدكتوراه كالبراق، وبليد الفهم تنفعه الدكتوراه فتسنده فتجعله مع الناس، وأما الدكتور بليد الفهم والحياء، فهذا هو مطية المثبطين ومصدر شواهد الساخرين، فلا تجعله قياساً لك، فهذا قياس باطل.