حمد ناصر الدُّخَيِّل
فوجئتُ صبيحة يوم الثلاثاء 21-02-1440هـ الموافق 30-10-2018م بنبأ رحيل الصديق الغالي الأستاذ عبد الله بن حمد الحقيل. ولم يَدُرْ بخلدي أن أبا خالد سيغادرنا وسيغادر دنيانا الفانية بهذه السرعة المفاجئة. وكنا نمنِّي أنفسنا بلقائه والاجتماع به بعد أن يبل من مرضه، ويُشْفى مما ألمّ به، ويرجع إلينا وإلى أبنائه وأسرته وأحبابه سليماً صحيحاً معافى. وأمضنا الألم والحزن حين افتقدناه وافتقدنا اتصاله منذ عدة أشهر، وهو الحفي بالتواصل.
كان عبد الله الحقيل رجل المناسبات الثقافية والتاريخية والأدبية داخل المملكة وخارجها، ومن طبعه أن لا يكتفي بالحضور فقط، بل يسهم فيها بمحاضرة أو قصيدة، أو تعليق، أو مداخلة، أو مقالة في صحيفة. ولعل من أبرز خلاله أنه اجتماعي بطبعه، يلبي الدعوات الاجتماعية، ويحرص على تكوين العلاقات، ومد جسور المحبة والوداد مع الآخرين، وتنمية العلاقات الأدبية والثقافية مع المؤسسات والأفراد، يلقى الناس في المناسبات المختلفة بالترحاب، والبشر، وطلاقة الوجه دون تكلّف، فتأنس لحديثه، وترتاح لمجالسته، وتستفيد من خبرته في ميدان الحياة والثقافة والأدب، ذو شفافية ووضوح وعفوية. كان سبّاقاً في التواصل، وتقديم التهاني في المناسبات، يشعرك حين يتصل وحين تلقاه بنقاء الضمير وسلامة الطوية. محب لوطنه، مخلص له، غيور عليه، أحب بلده المجمعة التي ولد فيها ونشأ، وكتب عنها مقالات، وقال فيها قصائد، وتوّج ذلك بكتاب عنها مطبوع مشهور، وبنى فيها مسجداً على نفقته، وكان حريصاً على كل ما ينفعها وينفع أهلها، وحبه لسدير وللمملكة لا يقل عن حبه للمجمعة.
له مشاركات كثيرة في الأدب واللغة والتاريخ والشعر وأدب الرحلات، كان ينشر بعضها في الصحف والمجلات، ويلقي قسماً منها في المؤتمرات والندوات. وأثمرت هذه الجهود الثقافية المتنوِّعة المباركة في تأليف أكثر من ثلاثين كتاباً وديواناً شعرياً يوزعها على الأدباء والمثقفين، ويهديها لمن ينتفع بها من القراء.
تقلّد - رحمه الله - عدداً من المناصب في التربية والتعليم والإدارة والإشراف، كان آخرها منصب الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز، وحظي بالتكريم في عدة مناسبات، كرَّمته اثنينية عبد المقصود خوجه - شفاه الله - في 6-11-1416هـ الموافق 25-3-1996م، وتحدث عنه عدد من الأساتذة هم: عثمان الصالح، ود. عبدالله العسكر، وعبدالكريم الخطيب، وحمد القاضي، ومصطفى جاهين، ومصطفى عطار، وأحمد سالم باعطب، الذي ألقى كلمة وقصيدة، وألقى المحتفى به كلمة ضافية، فيها شرح وتفصيل عن حياته وأعماله، لا يستغني عن الاستفادة منها مَنْ يود أن يكتب عنه، إذ استغرقت نحو أربعين صفحة. وكرَّمته ثلوثية محمد بن عبد الله المشوح، والنادي الأدبي بالرياض، وغير ذلك، والحديث عنه ذو شجون، فحياته حافلة بالعطاء والإنجاز، ولا تمثِّل هذه المقالة سوى نقطة من بحر أعماله في مختلف قنوات المعرفة والثقافة طوال اثنين وستين عاماً منذ تخرجه في كلية اللغة العربية في الرياض عام 1378هـ- 1958م ضمن عشرين طالباً، منهم محمد بن سعد بن حسين، ومحمد بن صالح العميل، وعبد الله بن عبد الكريم المفلح، وعبد العزيز بن عبد الله الرويس - رحمهم الله - وعبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف - متعه الله بالصحة - ويمثّل هؤلاء وزملاؤهم الباقون الدفعة الثانية من خريجي كلية اللغة العربية، وأول دفعة تخرجت عام 1377هـ- 1957م. وكان أبو خالد - رحمه الله - يحتفظ بكثير من ذكرياته في الكلية شفوية ومدوّنة، وفي زيارة للفقيد في منزله منذ سنوات بصحبة الأخ الدكتور محمد بن عبد الرحمن الربيِّع أطلعنا على كراستين قيد فيهما معلومات مما كان يلقيه عليهم أساتذتهم في الكلية، ولا شك أنه كان يحتفظ بكثير من ذكرياته أيام الطلب، وهي ذكريات ثمينة ينبغي أن يحافظ عليها. ألفيناه حين زرناه يشكو من لفحة برد، فالوقتُ شتاء، وكان قد قدم للتو من المجمعة، فشاركناه شراب الزنجبيل والشاي والقهوة، وأمتعنا بحديثه وبعض ذكرياته مما اتسع له الوقت، ولعل ما يهون من وقع فقده على النفس أنه خلَّف آثاراً، وأولاداً، وبنات، وأحفاداً، وكتباً تزدان بها المكتبات، وخُلُقاً وذكراً طيباً؛ «والذكر للإنسان عمر ثاني».