محمد آل الشيخ
في الدولة المدنية المعاصرة يعتبر التسامح أساساً من أسس التعايش بسلام بين مكوناتها، سواء كانت هذه المكونات متعدِّدة الإثنيات أو الطوائف أو المذاهب. فمفهوم (الوطن) ذو السيادة، والحدود الجغرافية، ويعيش فيه مواطنون، لهم حقوق وعليهم واجبات، وله حكومة مركزية، كما هي دول العالم اليوم، هي فكرة وفدت إلينا من الغرب، وليس لها في تراثنا الموروث أي وجود بهذه الأبعاد؛ لذلك يرفضها الماضويون المتأسلمون المسيسون، بل يعتبرها مفكرهم ومنظِّرهم الهالك «سيد قطب» مجرد (حفنة من تُراب نجس)، ويعتبرون أن وطنهم - إذا كان ثمة وطن - يمتد من إندونيسيا إلى المغرب الأقصى، وهذا ما تُربي عليه كوادر جماعة الإخوان - مثلاً -. ويتفق على هذا المنحى الشيعة المسيسون مع أهل السنة المسيسين، لا فرق في ذلك بين هؤلاء وأولئك. وهذه النقطة الجوهرية تحديداً هي التي تجعل الإسلام السياسي غير قابل للبقاء، كما أنها الدافع الرئيس لفكرة توسع من يرفعون الشعار السياسي في تبرير توسعهم مثل إيران التي سيُفرض عليها ابتداءً من يوم غد الأحد عقوبات أمريكية خانقة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى؛ فثورة الخميني في إيران يأتي التوسع هدفاً من أهدافها منذ أن أسس الخميني جمهوريته، واعتبرها دولة كهنوتية بنص الدستور، فقد نص على أن المذهب الجعفري الإثني عشري حصراً، هو المورد الوحيد لأنظمة الدولة وقوانينها، وأن السلطة المطلقة هي تحديداً في يد الولي الفقيه، الذي تعود إليه كل السلطات، وأن (مجلس تخصيص مصلحة النظام) هو الهيئة المعنية بقبول أو رفض من يترشحون لأي منصب، سواء كان منصباً تنفيذياً أو تشريعياً أو قضائياً. وهذا يعني أن المواطنين في إيران ليسوا متساوين في الحقوق، إذ إن الطائفة أو المذهب هو المعيار وليس المواطنة؛ كذلك العراق ولبنان هم أيضاً يفرّقون بين المواطنين اعتماداً على نفس المنطلقات.
ولعل عدم استقرار إيران، والاضطرابات التي تقوم في الداخل الإيراني بصفة شبه دائمة، يعود لهذا السبب؛ فالشيعي هو في واقع الأمر مواطن من الدرجة الأولى، وغير الشيعي وكذلك الأمر بالعرب والأكراد هم مواطنون من الدرجة الثانية؛ ولعل هذا التمييز بين المواطنين هو السبب الرئيس الذي جعل تلك الدول غير مستقرة، ويعيش أهلها منذ أن تأسست في اضطرابات دائمة، فما ينتهون من مشكلة حتى تبدأ مشكلة أخرى، وهكذا دواليك.
فالمبدأ الأساس الذي تقوم عليه دولة المواطنة في العصر الحديث أن مواطنيها متساوون في الحقوق والواجبات، ومتسامحون فيما بينهم مهما كانت انتماءاتهم المذهبية، من أجل تحقيق التعايش السلمي بين أفراد المجتمع.
الدولة المعاصرة بهذا الشكل لا يمكن أن يقبلها المسيسون المتأسلمون سواء كانوا من الشيعة أو من أهل السنة؛ لذلك فالمتأسلم المسيس عندما ينادي أن الانتماء للوطن فوق أي انتماء آخر، فهو إما أنه كذَّاب أشر، أو أنه جاهل لم يعرف أسس قيام وبقاء الأوطان.
لكل هذا أقول وأكرر إذا لم تقم الدولة، أي دولة، على أن التسامح بين أفرادها، وتقر بأن المواطنة هي حجر الأساس الذي تقوم عليه الدولة الوطن فلن يكون لها القدرة على البقاء في هذا العصر.
إلى اللقاء.