ماذا بعد أن تمت تعرية الحملة الإعلامية الممنهجة التي استهدفت أمن واستقرار السعودية على خلفية حادثة وفاة الصحفي السعودي جمال خاشقجي «رحمه الله» بُعيد إعلان المملكة استعدادها لملاحقة ومحاسبة المجموعة الأمنية التي تجاوزت الصلاحيات الممنوحة خلافًا للتفويض الممنوح لها, وبعد أن أعلنت المملكة للعالم أنها لن تسمح بإفلات مرتكبي الجريمة من العقاب، وبعد أن أدارت المملكة الأزمة وتوابعها بنجاح يحسب لولي العهد الذي واجه الأزمة التي استهدفته شخصياً بصلابة وصلادة وقوة ونجاعة, كنا جميعاً في عالمنا العربي الذي لا يزال يعاني من توابع الخريف العربي في حاجة إلى مثل هذا النجاح الذي حققته المملكة لتعزيز ثقتنا بمؤسساتنا, والتشبث بإرادتنا, وعدم الانجرار خلف حملات إعلامية ضارية أرادها الثالوث تركيا وقطر والإخوان عاصفة سياسية ضد ما حققته المملكة من معدلات نمو مرتفعة, وضعتها في ترتيب متقدم ضمن قائمة دول العشرين التي تمتلك أكبر اقتصاديات في العالم, وتقضي على المشروع الحداثي الإصلاحي الذي يعبر به ولي العهد بالمملكة متجاوزاً الصورة النمطية في الغرب والشرق التي استخدموها في تشويه مواطنيه ووصمهم بالإرهاب تارة، وبالتخلف تارة أخرى، متجاهلين كل ما حققته المملكة من نهضة فاقت بها دولاً لا تزال تصف نفسها بأنها تتصدر دول العالم الأول.
لقد أخذت قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي أبعاداً إعلامية وسياسية، متجاوزة في ذلك التحقيقات الرسمية التي لم تنتهِ إلى اتهام قاطع حتى الآن، فلم يخرج عن الحكومة التركية أي اتهامات رسمية غير بضعة تساؤلات وجهها أردوغان إلى المملكة في مشهد تمثيلي لم يقنع أحداً وهو الذي سبق وأن توعد بتعرية الموقف السعودي حيال وفاة مواطنها في اسطنبول, بعد أن قدّم روايات سبق أن استهلكها الإعلام طوال الفترة التي سبقت خطابه أمام كتلته البرلمانية.
قضايا من هذا النوع وهي كثيرة، يتعاون ويتشارك فيها أكثر من جهاز مخابرات حول العالم، والتي تسخر فيها أجهزة إعلام موجهة تتفنن في كيل الاتهامات والقرائن دون تقديم أدلة حقيقية تفضي إلى اتهام حقيقي, يخطئ من يتوقع نهاية قريبة لفك طلاسم وملابسات حادثة وفاة الصحفي جمال خاشقجي, الذي خرج من السعودية هارباً في أعقاب الأزمة مع قطر التي من جانبها شجعت الصحفي خاشقجي على الانضمام إلى صفوف المعارضة السعودية بالخارج، بعد أن أمَّنت له مساحة في صحيفة الواشنطن بوست يكتب فيها مقالات يخدم بها التنظيمين القطري والإخواني, لم يكن اختيار الصحيفة الأمريكية الشهيرة لخاشقجي ليكون أحد كتابها اختياراً مهنياً، إنما جاء نظير حملات إعلانية منتظمة لشركات سيادية قطرية، تعاقدت بها الحكومة القطرية مع إدارة الصحيفة التي أفردت له مساحات منتظمة واستخدمته بوقاً ضد سياسة بلاده.
قضية خاشقجي بها من التعقيدات والتداخلات الدولية والإقليمية التي تجعل من استباق التحقيقات والإصرار على توجيه الاتهام إلى المملكة العربية السعودية تجاوزاً غير مسبوق في حق القوانين والتشريعات كافة التي تعارف عليها العالم في كل العصور, والتي تنادي بها المنظمات الدولية كافة، التي من جانبها أغفلت مبادئها واندرجت في حملة مغرضة تستهدف أمن المملكة واستقرارها, تهيئةً لخريف عربي في يناير المقبل يتزامن مع احتفال تنظيم الإخوان الدولي بمناسبة مرور سبع سنوات علي ثورتي تونس ومصر.
المال القطري هو الذي يجب أن يوجّه إليه الاتهام في قضية خاشقجي، وهو الذي تكفل بإغرائه بالهرب إلى واشنطن بعد أن كان خاشقجي هو فتى الإعلام المدلل في المملكة لأكثر من ثلاثة عقود, حصل خلالها على فرص لم تتح لمن هم أكثر منه كفاءة ومهنية وولاء.
** **
كاتب صحفي مصري - مدير مكتب مؤسسة روز اليوسف الصحفية بالمملكة