د. جاسر الحربش
تعتبر بريطانيا من أول الدول المطبقة للأنظمة الديمقراطية، طبعاً للداخل فقط حسب الواقع الفعلي في كل الأنظمة الديمقراطية، أما للخارج فيطبق مبدأ التنافس على المصالح. في 15 / 8 / 2015م عقب أعمال شغب في بريطانيا قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون : عندما يتعلق الأمر بأمن بريطانيا القومي فلا يحدثني أحد عن حقوق الإنسان.
لا جدال في كون تحقيق العدالة في الداخل أهم أعمدة الأمن القومي، وهذا العمود ما زال نحيلاً وقصيراً في كل الدول العربية والإسلامية. بناءً على هذا الواقع يكون السؤال هو هل من الأفضل المراهنة على ارتفاع ثقافة الأجيال المتتابعة في مفاهيم الحقوق الاجتماعية وانتظار التغيير بالتراكم المعرفي والحقوقي التدريجي من الداخل، أم الاستعانة بقوى خارجية والتعاون معها على افتراض متخيل أنها سوف تكون عادلة لا يتمصلح من ورائها الطرف الخارجي قدر استطاعته على حساب كافة الأطراف المحلية؟.
الموضوع حساس ويحتاج إلى أقصى درجات العقلانية ومراجعة سياسات الدول في حساباتها للمصالح، وأولها تلك التي قد يعتبرها هذا الطرف صديقة والطرف الآخر عدوه. المراجعة التاريخية لكل تدخل خارجي مع المقارنة الهادئة بين أهدافه الدعائية قبل الاستعانة به بالتأثيرات المتحققة بعد ذلك، هذه المقارنة هي ما يجب كواجب وفرض عين على العاقل استحضارها قبل المراهنة التفضيلية بين التراكم الثقافي الحقوقي في الأجيال المتعاقبة مقابل المراهنة على الاستعجال بإحداث التغيير من الخارج واحتمال هدم البيت على رؤوس أهله.
ثلاثة أوضاع قد تقود إلى ارتكاب خطأ المراهنة على قوى خارجية:
أولاً : الانطلاق من الحسابات الشخصية أو الطبقية كمحاولة للانتصاف دون تفكير في النتائج، وهذا الموقف يعتبر خيانة صريحة فهو في النهاية يقود إلى حروب أهلية ويمهد للاحتلال الأجنبي.
ثانياً : الانطلاق من التقاء مصالح ظرفية عابرة ومؤقتة بين طرف داخلي وخارجي دون اقتناع بأن المستعان به سوف يكون أفضل من المستعان عليه، وهذا الموقف يعتبر كارثة وحماقة مركبة تتداخل فيها الخيانة مع الانتهازية.
ثالثاً : الانطلاق من تصديق ما يسمى الأخوة الأممية، سواءً كانت عقائدية دينية أو مذهبية أو إيديولوجية سياسية. هذا الموقف ينطلق من أضغاث أحلام لم تنتج عنه مصداقية تاريخية من قبل ولا من بعد. لم تتحقق بين أي مجموعات عابرة للحدود من أي نوع أية التزامات إيجابية تصمد لأكثر من سنوات قليلة في أحسن الأحوال، لأن نهاياتها تكون محتومة بتغير الأشخاص في القيادات السياسية المتعاقبة والتصفيات المتبادلة.
لهذا أقول إن الرهان الأول لصالح الأمن المستقر والتطور الذاتي يكون بتراكم الثقافة الحقوقية والمعرفية للأجيال الشابة المتتالية، وهو الأضمن لتقوية وتمتين عمود العدالة الاجتماعية الذي ما يزال نحيلاً وقصيراً في كل المجتمعات العربية والإسلامية.