عبدالعزيز السماري
كشفت وسائل الإعلام الغربية موقفها السياسي من العرب، فالغرب حسب خطابهم الأخير يبني علاقاته مع الدول العربية على أنها علاقة مصالح وليس علاقة قيم، وإذا تلاشت تلك المصالح نتحول إلى دول معادية للقيم الغربية وشعوب معادية للقوى الغربية، وهو ما يفتح الباب لتناول منطق المركزية الغربية في تقرير ما هو أخلاقي، وما هو غير أخلاقي.
تتفق شعوب الأرض مع اختلاف مرجعياتها أن حقوق الإنسان أصبحت قيما إنسانية مشتركة بين شعوب الأرض، وأن الجميع يتقدم في اتجاهها من أجل صراع أقل، ومجتمع أكثر سلاماً، لكن الاختلاف مع الغرب ليس حول هذه القيم، فقد غدت قيما مشتركة ولا مجال للهروب من ذلك، ولكن مع استخدامها أو توجيهها لتلك القيم حسب المصلحة.
لا يختلف اثنان في أقاصي الأرض أن تدمير العراق وسرقة ثرواته وآثاره عمل غير أخلاقي، بل إجرامي شنيع، ولم يصدر إلى اليوم اعتراف غربي بما أن ما اقترفوه في حق الشعب العراقي كان عملاً غير أخلاقي، على الرغم من أنه يخالف تلك القيم التي يشهرونها في وجوهنا كلما احتاجوا إلى ذلك.
كذلك تتفق مختلف مرجعيات حقوق الإنسان أن ما حصل من تشريد وسرقة للأراضي العربية في فلسطين كان بسبب قرار سياسي غربي، ودعم لا محدود لأقلية يهودية غربية من أجل الهجرة غير الشرعية إلى فلسطين ومن ثم تأسيس دولة تقوم على جثث السكان الأصليين، ومع ذلك لم تتدارك تلك القيم أبعاد تلك الجريمة التاريخية في حق شعب أعزل.
نحن نعترف أننا أمة تعاني من قرون من ضيق العزلة وأزمة التخلف، ونحتاج إلى زمن غير قصير من أجل النهوض، وتجاوز أزماتنا النفسية في قضية التعايش المشترك بين فئات المجتمع، بدون إشهار للعنف ضد الرأي الآخر أو الفئات المخالفة، لكن الفوقية الغربية مطالبة أن تكون أيضاً على مستوى المسؤولية في موقفها من ماضيهم وحاضرهم الدموي في مسألة حقوق الإنسان في مختلف أرجاء العالم.
يعد التفكير والتنظير من خلال الأيدولوجية هو بيت الداء في الضمير العالمي، فالبعد الأيدولوجي في الخطاب الإعلامي يغض النظر عن مخالفات شنيعة وإجرامية في حقوق الإنسان، ويشهرها في جوانب أخرى من أجل مصالحه.
الإيدولوجيا ليست دين أو مذهب، ولكن هي صوت السلطة في الخطاب الإعلامي، والذي يتناول الأحداث من خلال مصالحه الضيقة، ولعل هذا ما حدث في الأونة الأخيرة، فقد تجاوزا تاريخهم الدموي من أجل قتل الاستقرار في منطقتنا الملتهبة.
بالتأكيد علينا أن نعمل من أجل تطوير مفاهيم حقوق الإنسان في البلاد العربية ووضع التشريعات لحمايتها، وعدم تسييس خطابها، وأن نحقق المعجزة الحضارية في جنوب المتوسط وشرقه، لكن على المركزية الغربية أن لا تتناقض في خطابها الإعلامي، وأن تتساوي ردات أفعالها ضد مختلف الجرائم الإنسانية التي حدثت بسبب رائحة الدم التي تفوح من بعض تدخلاتها في شؤون الشعوب المغلوب على أمرها.
خلاصة الأمر أن على الضمير العالمي يجب أن يكون على قدر القاعدة الفلسفية الشهيرة: «لا تفعل أو تتصرّف، إلاّ بما يتّفق مع المبدأ الّذي تريد أن يصبح قانونًا عامًّا للطّبيعة، والّذي بناءً عليه، يُمكن أن يسلكه كلّ شخصٍ آخر»..