أحمد أمير محمد
«الانفلات الأمني هو حالة من التسيب ينتج عنها انتشار الجرائم، وهي غالبًا ما تصاحب قيام الثورات وحدوث الاضطرابات في الدولة». هكذا يُعرف معجم الترجمان العربي مصطلح الانفلات الأمني؛ لكن ربما يعرفه المسؤولون العسكريون في إيران بمعنى آخر، فلا يخفى على باحث في الشؤون الإيرانية أن تصريحات قادة الحرس الثوري والجيش الإيراني خلال الآونة الأخيرة بالأخص، لا تخلو في الغالب من عبارة «إيران أأمن دولة في المنطقة» على الرغم من عمليات اختطاف الجنود الإيرانيين على الحدود وقتل بعضهم، حتى أحداث اقتحام البرلمان وضريح الخميني وأحداث الهجوم على عرض عسكري في الأحواز و... وقد عكست أغلب هذه الأحداث انتقادات شديدة اللهجة لنواب البرلمان وخاصة أعضاء لجنة الأمن القومي إزاء الانفلات الأمني الخطير الذي تعيشه إيران. وفي المقابل نرى التفاخر المتكرر في تصريحات قادة الحرس الثوري والجيش الإيراني حول أن إيران تعيش أجواء أمنية غير مسبوقة ويُحتذى بها في المنطقة ويوجهون الاتهامات للدول العربية بزعزعة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية «ايرنا» يوم الثلاثاء 16 أكتوبر 2018م نقلاً عن مصدر مطلع «اختطاف» 4 أفراد من القوات العسكرية الإيرانية، والجدير بالذكر أن وكالة «نادى الصحفيين الشباب» شبه الرسمية وذات التوجه الأصولي، قد أفادت في تقرير لها حذفته بعد ساعة من نشره، بأن عددًا من القوات الأمنية التابعة للباسيج (قوات التعبئة) وفوج حرس الحدود في مدينة «ميرجاوه». قد تم اختطافهم على يد جماعة «جيش العدل» وورد نصًا في تقرير وكالة «نادي الصحفيين الشباب» أن: سبعة ممن اختطفوا، كانوا قوات أمن من الباسيج وخمسة أفراد من استخبارات الحرس الثوري، وتم اختطافهم بين الساعة الرابعة والخامسة صباحًا يوم الثلاثاء 16 أكتوبر 2018م في منطقة لوكدان الحدودية» الواقعة في مدينة مير جاوه التي تمتلك سوابق لا حصر لها من عمليات القتل والاختطاف ضد قوات الأمن الإيرانية.
تبتعد مدينة مير جاوه حوالي 80 كيلومترًا عن مدينة زاهدان مركز محافظة سيستان وبلوشستان وعلى مدار الأعوام الأخيرة شاهدت العديد من عمليات خطف وقتل الجنود الإيرانيين، ولم تكن هذه المرة الأولى من نوعها، في مايو العام الماضي شاهدت هذه المدينة الواقعة على حدود إيران وباكستان، عملية إرهابية أسفرت عن مقتل 9 من جنود الحرس الثوري.
«الأمن في إيران ليس له مثيل وسط الاضطرابات التي توج دول المنطقة، والعالم بأسره يعترف بذلك» هذا ما قاله وكيل مساعد قائد قوى الأمن الداخلي الإيراني العميد «محسنفتحي زاده» في أحد تصريحاته خلال مراسم إحياء ذكرى ضحايا الأمن الداخلي في إيران، والعجيب أنه في نفس تلك المراسم أعلن إحصائية عن عدد قتلى قوات الأمن في إيران حتى لحظة إدلاه بهذا التصريح، قائلاً: «حتى الآن استشهد 13 ألف عنصر من قوات الأمن الداخلي من أجل توفير الأمن في مختلف محافظات البلاد فيما تعرض للإعاقة 23 ألف عنصر آخر (حسب ما نقلته قناة «العالم» الإيرانيةالرسمية). وهذا ما يقوي فرضيتنا في هذا التحليل، بأن مفهوم الانفلات الأمني له معنى آخر لدى القادة العسكريين الإيرانيين.
في يونيو 2017م تَعرَّض البرلمان الإيرانيّ وضريح الخميني لهجوم مسلَّح أسفر من مقتل 18 شخصًا، ويتفاخر القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد جعفري، قائلاً: «إن توفير الأمن هي مهمة الحرس الثوري الرئيسية في الخليج العربي والبحار وكافة أرجاء البلاد في ظل محاولات الكثير في المنطقة لخلق الفوضى بطرق مختلفة، لكن إيران تتمتع بأمن لا مثيل له»!!
خمسة أفراد من استخبارات الحرس الثوري سعادة اللواء! وسبعة من قوات أمن الباسيج تم اختطافهم خلال أحداث مير جاوه الأخيرة ولا يتراءى لهم مصير معلوم حتى الآن! هذا ما يجعل إيران تتمتع بأمن لا مثيل له!
بصرف النظر عن كل هذا التفاخر، هناك سؤال مُلِح يطرح نفسه ولعل إجابته تكون إتمامًا للحجة التي تطرحها هذه الورقة؛ عندما تعيش الحدود الإيرانية أجواء تلك العمليات الإرهابية مرارًا وتكرارًا، ألا ينبغي أخذ المسؤولين الأمنيين الإيرانيين إجراءات أمنية أشد في عين الاعتبار؟
ويجيب رئيس لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني «حشمت الله فلاحت بيشه» على هذا السؤال في حوار مع موقع خبر أونلاين، قائلاً: «بالرغم من الاتفاقيات الأمنية المبرمة مع الدول الأخرى، وعلى الرغم من تعامل إيران الصارم مع الأفراد الذين يقدمون على عمليات إرهابية ضد المواطنين الإيرانيين، لكن الحقيقة مع الأسف هي أن الإهمال أدى إلى تعرض أرواح حرس حدود الوطن للخطر».
وأكد على أن موضوع هذا الإهمال سوف تضعه لجنة الأمن القومي على طاولة التحقيق، قائلاً: «سوف تتابع لجنة الأمن القومي الإهمال الداخلي المحتمل. وحقيقة الأمر هي أن العديد من الأحداث التي تقع للشباب وحرس الحدود يمكن الوقاية منها، لكن مع الأسف هناك نقاط ضعف لدينا». وقد أثارت تلك التصريحات غضب صحيفة كيهان الأصولية التابعة للمرشد الإيراني، مما دعاها أن تكتب في عدد اليوم التالي انتقادًا لتصريحات رئيس لجنة الأمن القومي «حشمت الله فلاحت بيشه»، قائلةً: «الملاحظة التي يمكن رؤيتها في تصريحات رئيس لجنة الأمن القومي بالبرلمان هي؛ كيف ينتقد الإهمال بشأن أرواح 11 فرد من حرس الحدود؛ لكنه هو نفسه وأنصار تياره السياسي في البرلمان يعرضون أمن الشعب للخطر بتبريرهم الانضمام إلى FATF والمصادقة على ملحقات هذه المعاهدة ويفتحون الأبواب أمام النفوذ الاستخباراتي والأمني؟!» ولم تعقب صحيفة كيهان عن نقطة الإهمال والانفلات الأمني التي أكد عليها فلاحت بيشه وتطرقت لموضوع آخر لا علاقة له بالأمن ونقاط الضعف التي تعاني منها المناطق الحدودية في إيران.
ولم يكن «حشمت الله» أول من انتقد الانفلات الأمني في إيران من أعضاء لجنة الأمن القومي ببرلمان هذه الدولة، فطبقًا لما صرَّح به المتحدث الرسمي باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية «حسين نقوي»، في معرض رد الفعل على حادثة الهجوم على عرض عسكري في مدينة الأحواز الذي وقع يوم السبت 22 سبتمبر الماضي؛ «أطلق المسلَّحون النار وتَحرَّكوا بكل حرية لمدة 12 دقيقة متواصلة وسط حشد كبير من القوات المسلَّحة الإيرانيَّة وعناصر الاستخبارات والقوى الأمنية»، وقد اعترف بوجود ضعف وتقصير بالغ في تأمين محيط العرض العسكري، قائلاً: «كيف يمكن أن تكون خلف منصة العرض حديقة دون أي نوع من التأمين؟! هذا خطأ فاحش، لذا ينبغي على لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيرانيّ استجواب المسؤولين عن هذا الخلل، وما أعلنته القوات الأمنية الإيرانيَّة من الكشف عن الفريق الداعم للمهاجمين واعتقال 22 فردًا لا يمحو تقصير هذه الجهات؛ لماذا لم يكشفوا هذا الفريق قبل تنفيذ الهجوم؟ ما فائدة القبض عليهم بعد تنفيذ المخطَّط؟»، لقد وصل الأمر إلى حدّ أن المهاجمين الأربعة كانوا يتحدثون معًا ويعيدون تلقيم أسلحتهم كلما نفدت الذخيرة عدة مرات!».
خلاصة القول؛ ما يتفاخر به المسؤولون الإيرانيون من أن إيران دولة أمن لا مثيل لها في المنطقة، هو ادعاء واهٍ لا أساس له من الصحة على أرض الواقع؛ باعتقادي تصريح اللواء جعفري قائد الحرس الثوري الذي قال فيه إن «أمن إيران لا مثيل له» نقصته عبارة... «إني لا أكذب ولكني أتجمل».