فيصل خالد الخديدي
تشهد الساحة التشكيلية المحلية في الفترة الأخيرة حراكاً منبرياً مميزاً استدعى موضوعات متنوعة بين حيوية تخدم الساحة، وتضيف للمتابع وتضيء للمتلقي عتمات ما يخفى عليه من الثقافة الفنية، وبين موضوعات أخرى هامشية لا تضيف لا للمتلقي ولا لمقدميها شيئاً، بل تكشف قلة الخبرة وعدم التمكن في الإعداد ومقابلة الجمهور وتوصيل المعلومة، وحسن اختيار الموضوع ومن يقدمه، والمحاضرات والندوات التشكيلية لها أثر كبير في تشكيل الوعي ونشر الثقافة لدى متابعيها وحضورها من فنانين ومتلقين متى ما كانت معدة بشكل جيد من جميع نواحيها، سواء اختيار الموضوع وتمكن المحاضرين وإتقان المقدمين، وحتى توقيت ومكان تقديمها والتجهيزات الفنية لها جميعها تسهم في ظهورها بشكل جيد أو تخيم بالفشل عليها، ولكل فئة من المتلقين ترتيب وإعداد يتناسب معهم، فمعرفة نوعية الجمهور المتلقي والفئة المستهدفة من المحاضرة أو الندوة يترتب عليه اختيار العنوان الجاذب والمعلومة المناسبة وأسلوب الطرح المميز الذي تقدم به، فاحترام المحاضر للجمهور باهتمامه بالإعداد والتحضير الجيد الذي يرتقي بهم دون تحقير أو تجهيل فالمنابر فضاحة لمن يستهتر بها ويقلل من قدرة وإمكانات جمهورها، فكم من ندوة كشفت سوءة تفكير محاضريها وظهروا بشكل مهزوز لا يليق بالفن ولا بالمناسبة ولا بالمنبر وجمهوره، فتجد أحدهم يعتلي منبراً ثقافياً، ويبدأ في الارتجال بكلمات لا تمت لموضوع المناسبة ولا عنوان المحاضرة بصلة، بل وصل به الإفلاس إلى وصف القاعة والحضور والمناسبة بعيداً عن الموضوع المطروح للندوة، وهو موضوع حيوي ألفت فيه العديد من الكتب والبحوث التي لم يتعنَ في تقليب صفحات إحداها، وآخر تجده حريصاً على التنقل بين المنابر لا يفرق فيما يقدمه بين تحليل طبي أو عسكري أو تشكيلي، أكثر همه الظهور ولو كان بكلام ممجوج بعيداً عن التخصصية والعمق المأمول في الظهور بهذه المنابر.
إن الخطاب التنظيري المصاحب للممارسة التشكيلية لا يقل أهمية عن المنجز الفني، بل هو يرسم الخطوط العريضة لهذه المسيرة، ويضع إشارات معينة لها، وهو ما يحتم دقة اختيار من يعتلي المنابر التشكيلية، ويمثل الخطاب التشكيلي في المؤسسات الثقافية والأكاديمية والإعلامية التي فتحت منابرها لهذا الظهور التشكيلي، فهو لا يمثل ذاته بل هو صوت التشكيليين، فليكن صوتاً متناغماً لا ينطق بنشاز.