د. عبدالحق عزوزي
حصل الأمريكيان وليام نوردهاوس وبول رومر على جائزة نوبل للاقتصاد للعام، التي تبلغ قيمتها تسعة ملايين كورون سويدي (860 ألف يورو). ويأتي هذا الفوز تكريماً لأعمالهما في مواءمة متطلبات الابتكار ومكافحة الاحتباس الحراري مع النمو الاقتصادي العالمي.
وسبق أن أعلنت الأكاديمية السويدية الملكية للعلوم في بيان لها أن نوردهاوس الأستاذ في جامعة يال ورومر من جامعة سترن للأعمال في نيويورك، «طورا منهجيات تعالج تحديات تعد بين الأكثر أهمية في عصرنا: المواءمة بين النمو الدائم على المدى الطويل بالاقتصاد العالمي ورفاه سكان العالم». وقالت الأكاديمية إن الأمريكيين «قاما بتوسيع نطاق التحليل الاقتصادي إلى حد كبير عبر إقامة نماذج تشرح كيفية تفاعل الاقتصاد مع الطبيعة والمعرفة».
ونوردهاوس (77 عاماً) حصل على هاته الجائزة العريقة تحديداً لأنه قام «بدمج التغير المناخي بتحليل الاقتصاد الشمولي على المدى الطويل». أما رومر البالغ من العمر 62 عاماً فقد منح الجائزة «لأنه نجح في دمج الابتكارات التكنولوجية بتحليل الاقتصاد الشمولي على المدى الطويل». وجرى التداول باسمي هذين الخبيرين الاقتصاديين لنيل الجائزة في السنوات الماضية.
وفي السنة الماضية نال الأمريكي ريتشارد ثالر جائزة نوبل للاقتصاد عن عمله في الاقتصاد السلوكي وخصوصاً الآليات النفسية والاجتماعية التي تؤثر في قرارات المستهلكين أو المستثمرين؛ وحصول الأمريكيين دائماً على هاته الجوائز دليل على قوة البحث العلمي في أمريكا....
فبالرجوع إلى القوة التكنولوجية والبحثية والعلمية للولايات المتحدة الأمريكية التي عليها مستقبل القوة الحقيقية لأي بلد، نجد أن الولايات المتحدة في موقع الصدارة من حيث الاستثمار في مجال البحوث والتطوير، بحجم سنوي يبلغ تقريباً 369 مليار دولار، تليها آسيا برمتها بحجم يبلغ 338 مليار دولار، ثم الاتحاد الأوروبي بحجم يبلغ 263 مليار دولار؛ وتنفق الولايات المتحدة 2.7 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي على البحوث والتطوير؛ أي ما يقارب ضعفي ما تنفقه الصين؛ ويسجل المخترعون الأمريكيون سنوياً تقريباً نحو 80 ألف براءة اختراع في الولايات المتحدة؛ أي أكثر من دول العالم مجتمعة. وإذا كانت عديد من التقارير الدولية الهادفة أعلنت عن قلقها فيما يتعلق بارتفاع معدلات ضرائب الشركات وفرار رأس المال البشري والعدد المتنامي من براءات الاختراع الأجنبية، فإن شركات رأس المال الجريء الأمريكية، تستثمر 70 في المائة من أموالها في شركات ناشئة محلية. وفي السنوات الأخيرة، صنف استقصاء أجرته جمعية Global Entrepreneur-ship Monitor، للبحوث الأكاديمية، الولايات المتحدة أمام الدول الأخرى في فرص مبادرات الأعمال لأنها تتمتع بثقافة أعمال مواتية، وبها صناعة رأس المال الجريء الأكثر نضجاً، ولديها علاقات وثيقة بين الجامعات والصناعة.....
وبالرجوع إلى المجال الذي حصل فيه الأمريكيان وليام نوردهاوس وبول رومر على جائزة نوبل للاقتصاد للعام، وهو مواءمة متطلبات الابتكار ومكافحة الاحتباس الحراري مع النمو الاقتصادي العالمي، فإننا نعلم جيداً أن وتيرة وحجم التغيرات المناخية الشاملة على المدى الطويل تؤدي إلى تأثيرات هائلة على الأنظمة الحيوية الطبيعية. وهو يحصل بسبب رفع النشاط البشري لنسب غازات الدفيئة في الغلاف الجوي الذي بات يحبس المزيد من الحرارة. فكلما اتبعت المجتمعات البشرية أنماط حياة أكثر تعقيداً واعتماداً على الآلات احتاجت إلى مزيد من الطاقة. وارتفاع الطلب على الطاقة يعني حرق المزيد من الوقود الاحفوري وبالتالي رفع نسب الغازات الحابسة للحرارة في الغلاف الجوي.
ولا غرو أن هناك غضباً من كل الفاعلين الدوليين ذوي النوايا الحسنة من دول ومنظمات ومؤسسات دولية وأفراد بعد التراجع الكبير والمؤسف عن الاتفاقيات التي أبرمت في السنوات الأخيرة لصالح البيئة ومستقبل الكون والبشرية، خاصة بعد قرار الإدارة الأمريكية الانسحاب من الاتفاقية الدولية للمناخ، وهو غضب مشروع لأن المجهودات الدولية التي تابعناها منذ أزيد من عقد من الزمن، التي كان أبطالها أفراد دوليون نافذون ومنظمات دولية ومؤسسات حكومية وغير حكومية، ومنظمات أهلية، وصرفت فيها الملايين من الدولارات وشهدت كثيراً من المفاوضات الدولية الشاقة، قد توقفت أو قد تتوقف ولو بعد حين...
وللذكر فإن الاتفاق كان قد وقعت عليه 194 دولة، ويتعهد المجتمع الدولي بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها «دون درجتين مئويتين»، قياساً بعصر ما قبل الثورة الصناعية، وبـ «متابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية».