عناصر العملية الثقافية هي: المعرفة والتأهيل، وعناصر «العملية المعرفية» هي: «التربية والتعليم» و«الإعلام»، وقد سلطت الضوء على بعض جوانب «العملية التربوية» في المقال السابق، أما «العملية التعليمية» فهي أكثر تعقيداً، ولا تخلو من «التربية» أيضاً، بل مرتبطة بجميع العناصر الأخرى.
إذا كان دور العائلة هو العامل الحاسم في عملية التربية، فدور المجتمع هو العامل الحاسم في العملية التعليمية منذ «التمهيدي» حتى بلوغ المرحلة الجامعية.
المدرسة وما قبلها في العالم أجمع هي اللّبِنَة الأولى لتنمية «قدرات» الطفل على استلهام محصلة التجربة الإنسانية في العلوم والآداب منذ ما قبل التاريخ. كما أن المدرسة تصقل مهارات «التلميذ» لاستكشاف ملكاته الذاتية في اختيار الاتجاه المعرفي الذي يناسبه لما بعد المدرسة. وإذا كان أسلوب التعليم بدون «تلقين»، أي منح التلميذ الحق بالسؤال والنقاش بدون تعنيف، فستتكون لديه القدرة ليس على اكتشاف قدراته الذاتية وحسب، بل الاعتراف «بالآخر» والتعامل مع من يخالفه وجهات النظر.
التجربة الهندية في مجال التعليم المدرسي مميزة جداً، وهي رائدة من وجهة نظري الشخصية بالنسبة للدول النامية. ففي هذا البلد الفقير نسبياً تنتهي المدرسة في الصف العاشر، ثم يدخل التلميذ لمدّة سنتين في مرحلة تسمى «كولج»، يتم فيها تحضير التلميذ للمرحلة الجامعية في الاختصاص الذي يختاره بنفسه، وهي خالية من التلقين تماماً.
التلقين يجعل من التلميذ «دلواً» يمتلئ قبل الاختبار؛ ثم يُفَرّغ نفسه خلال الاختبار؛ ثم يخرج خالي الوفاض، وكأن التعليم الذي تلقّاه لا يعنيه!. وبذلك يصبح بالضرورة غير قادر على استكمال التجربة؛ في مرحلة ما بعد المدرسة؛ ومجاراة التطور الاجتماعي والبشري، أي أنه يصبح «معاق» معرفياً.
إذا كان الهدف من «التعليم المدرسي» هو إنشاء جيل قادر على استكمال المسيرة الاجتماعية، فلا بد من وضع مناهج دراسية تساير المستوى العالمي للتعليم، ولا يجب أن تضطلع المدارس الخاصّة فقط بهذه المهمّة. كما أن المناهج الدراسية في العالم أجمع ليست ثابتة على نسق واحد. فالتطوير مستمر بمحتوى وأسلوب إيصال المعرفة. وإذا أخذنا اختراع وتطور الحاسوب مثلا، نجد أساسيات استخدام الحاسوب، أصبحت من ضمن المناهج الدراسية في معظم الجامعات والمدارس في العالم أجمع.
عملية وضع وتطوير المناهج الدراسية هي حق من حقوق الأجيال الصاعدة في كل المجتمعات، وهي ليست عملية روتينية أو تلقائية، إنما تحتاج إلى مؤسسات لوضع المناهج، وأخرى لتطويرها، وثالثة لإعادة إنتاجها حسب متطلبات التطور الاجتماعي. ولا يجب إلغاء أو إهمال مسألة «الخصوصية» لهذا المجتمع أو ذاك، ولأجل ذلك لا بد من «مؤسسة» غير فردية، تبتّ في تساوق المادّة الدراسية مع تلك «الخصوصية» أم لا، ولكن على مبدأ الإثبات العلمي لصلاحية أو عدم صلاحية هذه المادة أو تلك.
ويبقى الإعلام الشفاف والنزيه، هو الرقيب والمحاور وميدان المُسائلة والتقويم لكل المؤسسات التعليمية.
** **
- د. عادل العلي