د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
أول مرة رأيت فيها أستاذنا الأديب الرحالة عبدالله بن حمد الحقيل في دارة الملك عبدالعزيز، دخلت عليه مكتبه هناك، ولا أنسى ابتسامته المشرقة وهيأته البهية التي حرص طوال عمره أن يظهر فيها، الثياب الناصعة البياض، اللحية الصغيرة السوداء، الابتسامة المشرقة. توالت اللقاءات في مؤتمرات وندوات، منها في المدينة المنورة في مؤتمر اللغة العربية ومواكبة العصر، وفي البحرين مؤتمر البابطين عن ابن المقرب، ولقيته غير مرة في خميسيات مركز حمد الجاسر وغيرها، كان -رحمه الله- حريصًا على إظهار الحفاوة بي والفرح لرؤيتي، وكنت أسمع منه من الثناء على شخصي المتواضع ما يشدّ أزري ويبهج نفسي. تكرم عليّ كثيرًا بإهدائي نسخًا من كتبه، فكانت مادة دسمة كتبت عنها في مداخلاتي المتواضعة، منها مداخلة (تراحيل أستاذنا الحقيل) عن جملة كتب له في الرحلة، وقد أبدى -رحمه الله- إعجابه الشديد بهذا العنوان، ومنها (ديرة عثمان) عن كتابه عن المجمعة حاضرة سدير، ودعاني -رحمه الله- إلى زيارته في بيته في حي المعذر، وكانت جلسة استمتعت فيها إلى حديث ذكرياته في العمل والإدارة وبخاصة الفترة التي كان فيها مديرًا لمدرسة اليمامة الثانوية، حدثني عن جهوده العظيمة في تحويل المزرعة المهجورة في جوار المدرسة إلى فناء للمدرسة ومتنفس لطلابها، وكنت من طلاب هذه المدرسة بعد سنوات من ترك الحقيل إدارتها، وكنا نخرج إلى هذا الفناء الذي يضم مقصفًا صغيرًا فكنا نتجول في أرجائه.
وجدت في كتابتي عن بعض أعمال أستاذنا الحقيل أنها على الرغم من كونها مجموعة مقالات متفرقة كتبت في الصحف؛ يمكن أن تأتلف وتنتظم، وهذا ما سهّل عليّ أمر الكتابة الشاملة عن كتابه بسرد عنوانات الكتاب بروابط قد لا يحس القارئ معها أنّ هذه المحصورة بين علامات الاقتباس إنما هو عنوانات الكتاب. وكان مما قلته «حين تقرأ ما دونه أستاذنا الشاعر الأديب المربي عبدالله بن حمد الحقيل في رحلاته تجد نفسك راحلًا معه، رفيقًا لدربه، يهديك إلى المكان بأسلوب شائق، ويطرّز لك حديثه بأبيات من الشعر له أو لغيره بما يناسب الموقف ويبسط لك جانبًا من المشاعر»، وكذلك «ما يكتبه أستاذنا عبدالله بن حمد الحقيل شاهد على العصر، جامع بين الماضي والحاضر، ليس فيه جفاف الرصد التقريري ولا إنشائية الأديب الممعنة في الخيال؛ بل هي كتابة ممتعة تطرزها الأشعار المختارة التي تميز كتابة أستاذنا وحديثه فهو لا يكتب أو يتحدث إلا استشهد بقول شاعر».
في مساء يوم الثلاثاء 4/ 6/ 1439هـ كنا في ثلوثية الدكتور محمد المشوح أثناء الاحتفاء بالدكتور محمد بن عبدالرحمن الهدلق، رأيت أستاذنا عبدالله بن حمد الحقيل يدخل متأخرًا بعض التأخر ويجلس في الجانب الأيمن من المجلس، فكان في الصفّ المقابل لي، كانت تنازعني نفسي أن أنهض وأتوجه إليه بالسلام؛ ولكني آثرت أن تنتهي مراسم الاحتفاء؛ ولكن يبدو أن أستاذنا استدعاه ما جعله يخرج، ولم ألحظ هذا، فكانت هذه آخر رؤية، وكنت عزمت على الاتصال به للاطمئنان عليه؛ ولكن صوارف حالت دون ذلك فلم أره، ويصادف أن كان يوم الثلاثاء أيضًا 21-02-1440هـ يوم وفاته -رحمه الله، وكنت على سفر، ففاتني أن أشهد الصلاة عليه، رحم الله أستاذنا الأديب الجم خلقه، اللطيف تعامله، الهادئ طبعه، الرصين سمته.