خالد محمد الدوس
تالكوت بارسونز عالم اجتماع من رواد الحركة العلمية السوسيولوجية في أمريكا خلال القرن العشرين. وُلد في ولاية كلورادو بالولايات المتحدة الأمريكية في عام 1902, وتُوفي عام 1979. وقد اهتم في بداية حياته العلمية بعلم البيولوجي, واتصل بعلماء الانثروبولوجيا الوظيفية في مدرسة لندن الاقتصادية أمثال (مالينوفسكي) الذي أثار منه الاهتمام بالمدرسة الوظيفية الاجتماعية. كما درس على أيدي علماء الاجتماع الإنجليز أمثال (هوبهوس) و(جنزبرج), وعندما سافر إلى ألمانيا درس في جامعة هايدل بيرج، وقد حصل فيها على درجة الدكتوراه، وتأثر بأفكار علماء الاجتماع الألمان أمثال (ماكس فيبر)، و(زمبارت)، ثم عاد إلى مسقط رأسه (الولايات المتحدة الأمريكية)، وانضم إلى أعرق جامعاتها (جامعة هارفارد), وانضم إلى قسم الاجتماع، وأعطى جل اهتمامه بأبحاث علم الاجتماع ووظائفه؛ إذ عمل عام 1927 منسقًا لعلم الاجتماع في جامعة هارفارد، وقام بترجمة كتاب (ماكس فيبر) الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية إلى الإنجليزية. وفي عام 1937 عُين أستاذًا لعلم الاجتماع, وأصبح بارسونز عام 1944 رئيسًا لقسم الاجتماع.
ألَّف أشهر عالم اجتماع وظيفي في الولايات المتحدة الأمريكية (بارسونز) مؤلفات عدة في مجال علم الاجتماع، وأهم كتبه: كتاب بناء الفعل الاجتماعي 1937، وكتاب النسق الاجتماعي 1951، وكتاب أنساق المجتمعات الحديثة 1971، إضافة إلى مقالات عدة ذات تأثير مباشر في ميدان علم الاجتماع ومنطلقاته السوسيولوجية.
اعتبر (بارسونز) أن المجتمع عبارة عن نظام اجتماعي, وأن هذا النظام له وظائف أربع أساسية، لا يستطيع المجتمع أو النظام الاجتماعي البقاء من دونها. وهذه الوظائف والمستلزمات هي: التكييف، وتحقيق الأهداف، والصيانة، والتكامل.
وسنتطرق بشيء من التفصيل إلى هذه المستلزمات الوظيفية.
أ- التكيف: يسمى أيضًا المواءمة؛ فلكل نظام اجتماعي أهداف يرغب في تحقيقها؛ ولهذا فإن أي نظام اجتماعي يحتاج إلى وسائل لتوفير المواد والتسهيلات التي تساعد على بلوغ أهدافه. ويختلف التكيف باختلاف الأنظمة والمؤسسات الاجتماعية. فمثلاً: احتياج المدرسة إلى توظيف عددٍ من المعلمين الأكفاء، وتوفير الكتب والتسهيلات اللازمة لأداء المهام العلمية.
ب- تحقيق الأهداف: لا يكفي النظام الاجتماعي تحصيل الموارد اللازمة لتحقيق التكيف، ولكنه يحتاج إلى استخدام هذه الموارد في تحقيق أغراض معينة أو أهداف محددة. كما يتطلب ترتيب هذه الأهداف حسب أولوياتها وتخصيص الموارد اللازمة لبلوغها في المجتمع حسب الأولوية الموضوعة.
ج- الصيانة: وتسمى أحيانًا الكمون، وتعني أنه يلزم النظام الاجتماعي أن يداوم على تجنيد أعضاء، وتوزيعهم على المهام المطلوبة، وتحفيزهم للعمل من أجله حتى يستمر وجود النظام وأداؤه بصورة مقبولة.
د- التكامل: ومعناه المحافظة على درجة عالية من العلاقات المتبادلة بين مكونات النظام الاجتماعي، وتحقيق التعاون بين وحدات النظام الاجتماعي.
إن أكبر إسهام جاء به العالم الأمريكي (بارسونز) في ميدان علم الاجتماع هو تركيزه في التحليل السوسيولوجي على المجتمع بشموله. ولقد عالج هذا الفكر الوظيفي بعض المؤسسات المحدودة، كالأسرة والاقتصاد والدين والحكومة؛ ليبيّن كيف يسهم كل منها في الاستقرار الاجتماعي. ولو أخذنا بنظام الأسرة كنموذج لدراساته ووظيفتها في الاستقرار الاجتماعي فسنرى كيف يبيّن لنا (بارسونز) أن للأسرة النووية الأمريكية وظيفتين، هما:
1- التنشئة الاجتماعية للأجيال الجديدة. وحتى يتم دمج هذه الأجيال بالمجتمع ينبغي أن نتعلم القيم الاجتماعية والثقافية.
2- تعمل الأسرة النووية - في نظر بارسونز - على تمكين شخصية الكهول من الاستقرار. وإن وظيفة الأسرة الحديثة تتمثل في التقليل من درجة التوتر الناتج من المحيط الخارجي للأسرة. وهكذا تحافظ الأسرة النووية على توازن واستقرار شخصية الكهول، وهو ما لم تعد توفره الأسرة الممدودة في المجتمع الصناعي. وهكذا أسهمت أطروحات وأعمال (بارسونز) في وضع أسس ودعائم الاتجاهات المعرفية للنظرية البنائية الوظيفية. وهو ممن اهتموا بصياغة النظريات السوسيولوجية, وتناولها بإسهاب وفهم ورؤية شاملة للمجتمع الإنساني ومكوناته. وأخيرًا يعد بارسونز أشهر عالم اجتماعي وظيفي في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الغربي على العموم. وعلى امتداد أكثر من نصف قرن من الكتابة والبحث والإثراء السيوسولوجي استطاع هذا العالم الفذ طبع علم الاجتماع بتحليلاته الوظيفية على السلوك الإنساني وصياغة أهم نظرياته في الأنساق الاجتماعية والفعل الاجتماعي التي تقوم على الفكر النظري والحقائق الامبريقية.