لطالما كانت لدي الرغبة بالكتابة عن رجل يستحق ذلك، وفي هذا اليوم أُتيحت لي الفرصة للحديث عن رجل كان ولا زال ينثر عبقه الجميل عبر مؤلفاته وكتاباته البديعة من خلال إصداراته التي أفادني شخصياً بأنها وصلت إلى ما يقرب من العشرين كتاباً حين التقيت بسعادته في منزلة بالرياض دار خلال اللقاء نقاش وحديث جميل عن الذكريات وعن حياته بعد تقاعده من العمل، حيث كان أول كتاب صدر له بعنوان (كنت ضابطاً، أربعون عاماً في حياة ضابط) سرد في هذا الكتاب عصارة خبرته العسكرية وتحدث فيه بروح الأديب وإبداع الكاتب، كما لم يخلُ الكتاب من بعض المواقف الجميلة وبروح الدعابة، وعن تفاصيل نشأته ودراسته ومناصبه خلال فترة عمله ضابطاً في القوات المسلحة السعودية، سعادة السفير / صالح بن محمد بن صالح الغفيلي ولد في محافظة الرس صيف سنة 1354هـ ، لأب عصامي وأحد رجال الملك عبدالعزيز هو محمد بن صالح الغفيلي والذي عمل في آخر حياته أميراً لأحد رفيدة إحدى محافظات منطقة عسير وقائم مقام الملك عبدالعزيز والذي توفي سنة 1419هـ، عاش سعادة السفير في كنف والدته بعد أن هجر والده والدته نظراً لظروف العيش القاسية ورغب الهجرة والرحيل طلباً للرزق في المنطقة الغربية والتي ذكر تفاصيلها في كتابة السابق، كما أنه وصف في فصول الكتاب ظروف ولادته وطفولته وبداية انطلاقته في طلب العلم متجهاً إلى الرياض من الرس عبر بريدة بسيارة البريد السعودي برفقة خاله شقيق والدته، درس المرحلة الابتدائية في الرياض وتخرج منها سنة 1368هـ، ليواصل شغفة بطلب العلم حيت استقر به الحال في مدينة الظهران لينهي إجراءات التحاقه بوزارة الدفاع في المدرسة العسكرية بالطائف (كلية الملك عبدالعزيز الحربية حالياً) وبعد اجتيازه متطلبات القبول تم التجهيز لنقلهم إلى الطائف بواسطة طائرة «داكوتا» مستلهماً خبرة والده لخدمة هذا الوطن، وبنهاية العام الدراسي وبداية السنة الجديدة 1369هـ تم الإعداد لتأهيلهم للالتحاق بالمدرسة العسكرية وأحد طلبة الدفعة العاشرة سنة 1370هـ ، ليتخرج منها برتبة ملازم ثانِ بعد إكماله التدريب العسكري سنة 1373هـ، كما تم تعيينة خلال فترة عملة في القوات المسلحة ملحقاً عسكرياً في اليمن الشمالي وكان وقتها برتبة مقدم سنة 1392هـ الموافق 1972م ، والمطلع على أحوال اليمن وظروفه السياسية في ذلك الوقت يعلم صعوبة العيش داخلها خصوصاً بهذا الوقت العصيب حيث كانت من أصعب المراحلكون اليمن وقتها يشتعل حروباً ونزاعاتِ سياسية وعسكرية وظروف التقسيم بين يمن شمالِ ويمن جنوبِ وذكر العديد من التفاصيل في كتابة (ثَلاثُ في اليمن) وكذلك عن سبب إعادته للمملكة وسبق أن ذكر الأستاذ محسن العيني في كتابة «خمسون عاماً في الرمال المتحركة» (298ص)، وكان وقتها الملك فهد رحمه الله وزيراً بالإنابة لكون الأمير سلطان رحمة الله يتمتع بإجازته الخاصة خارج المملكة وبعد التشاور صدر قرار نقله للمملكة مسؤولا عن أحد الهيئات المهمة في القوات المسلحة السعودية وكان وقتها برتبة عقيد، ثم عُين قائداً لمنطقة الطائف العسكرية وبعد ذلك تولى قيادة المنطقة الشمالية الغربية العسكرية بتبوك، ثم مستشاراً عسكرياً لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع والطيران والمفتش العام (رحمة الله) ورئيساً للجنة العسكرية العليا للإعلام الحربي إبان حرب الخليج، كما أن سعادته عُين سفيراً لخادم الحرمين الشريفين لدى دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة سنة 1413هـ ولمدة تسع سنوات أظهر من خلالها قدرته على العمل الدبلوماسي وخلال تلك الفترة أصدر كتاباً يتحدث عن تجربته الدبلوماسية من خلال الكتاب الثاني له (من الحقيبة الدبلوماسية) والذي أبدع في الحديث عن تجربته الجديدة، تحدث هنا بروح الدبلوماسي الأديب والذي أبدع فيه بتسليط الضوء على بعض المواقف الدبلوماسية وكذلك بعض المشاهد من حياة السفير وجوانبها المتعددة مدعماً الكتاب بالصور لكافة المناسبات، عاد إلى المملكة بعد صدور تقاعده من العمل الدبلوماسي سنة 1422هـ، منتشياً راغباً بمواصلة العمل في الكتابة والتأليف فلم يكتف بتلك الإصدارات بل عمل على إخراج كتابة الثالث، والذي يسلط الضوء على سيرة حياته، والذي قال في مقدمته بأن أحد أبنائه أشار عليه بدمج كتابه «هجرة مبكرة» والذي يتحدث فيه عن مراحل الطفولة والصبا والشباب مع كتابه «كنت ضابطا» لكي لا يكون هناك مشقة في الكتابة وهو قد أصاب في ذلك ولوجود بعض التفاصيل التي كان يحتاج إليها فبادر بإعادة جمعه وتنقيحه والإضافة عليه ببعض المعلومات التي استجدت وقتها واختار أن يكون عنوانه (مشوار حياتي) ، كما قام بإهدائه لأبنائه وزوجته أم محمد التي تقاسمت معه الحياة بكل تفاصيلها ويخبرني بأنه لا يذكر أبداً أنها عارضته حول تنقلاته الكثيرة بل كانت عوناً له على تحمل أعباء الحياة وظروف الترحال والسفر، وهنا لا يسع المكان لذكر جميعؤلفاته ولكن كان آخرها كتاب (كلمات ذات معنى) والذي صدر سنة 1438هـ، ذكر في خاتمة الكتاب بأن هذا الكتاب هو آخر مؤلفاته ووداعاً للقلم، إلا أنه لم يتوقف عن الكتابة بل أخبرني بأنه لا زال يكتب ويستمتع بذلك، وحسب ما ذكر في الكتاب بأن الكتابة باتت ذات نتاج لم يعد له مريدون ، ولربما حسب ما أفادني بأن الوقت كفيل بإعادة تسليط الضوء على بعض كتاباته التي لم تر النور بعد ، ربما لا أبالغ لو قلت بأن هذا الإنسان المسؤول كان من أبرز من قابلت وتشرفت بالجلوس معه والاستماع لبعض المواقف الجميلة التي عاصرها وشاهدها خلال فترة عمله السابقة أتمنى أن أكون قد وفقت بنقل ولو جزء يسير من سيرته العطرة فهذا الرجل العظيم هو اللواء وهو السفير صالح بن محمد الغفيلي.
** **
- فهد بن علي بن عبدالرحمن الفرهود
Fahad.alfarhood@hotmail.com