د.عبدالعزيز العمر
سأروي لكم اليوم قصة شخصية حقيقية من قصص الأمس التي دارت أحداثها بدءًا من عام 1979، وهو العام الذي دخل فيه قطاع عريض من مجتمعنا في مرحلة أيدولوجية حساسة تعلمونها جميعًا، لقد قررت في هذا العام وأنا أستعد للعودة إلى الولايات المتحدة لمواصلة دراستي العليا أن أقترن بشريكة العمر، وكان على تلك الفتاة أن تترك (برغبتها ورغبتي) مقعدها الدراسي في الصف الأول ثانوي، لم أشعر إطلاقا حينها بذنب حرماني لتلك الفتاة من حقها الدستوري في الحصول على شهادة إنهاء التعليم الأساسي على الأقل، بل ربما إن الفتاة نفسها لم تقلق لتركها التعليم، بل إن الجميع من حولنا في ذلك الوقت قد غبطها على تركها الدراسة والسفر مع زوجها إلى أمريكا، فالثقافة المجتمعية السائدة في ذلك الوقت (وأنا ضمن تلك الثقافة) هو أن التعليم للمرأة يعتبر أمرًا هامشيًّا قياسًا بوقوفها مع زوجها وخدمته.
لقد لاحقتني ثقافتي تلك في بلد الابتعاث فأبقيت صاحبتي في البيت تمضي جل نهارها في إعداد طعامنا وتربية طفلينا وتقديم كل ما يدعمني نفسيًا لكي أواصل تعليمي العالي، لم تكن صفحة الشكر في رسالتي للدكتوراه التي خصصتها لشكرها على تضحياتها من أجلي كافية لتخلصني من عقدة ذنب حرماني لها من تعليمها، هذا الإحساس بالذنب لم يؤذني إلا في مرحلة متقدمة من الدراسة، وعندما أنهيت دراستي وعدنا إلى الوطن بذلنا أنا وهي كل ما في وسعنا لكي تعود مرة أخرى إلى مقاعد التعليم، لقد كانت صاحبتي حريصة جدًا أن تعوض ما فاتها من التعليم، رغم أنها كانت حينها لا تزال ترعى أطفالنا، فقد يسر الله الأمر والتحقت بمعهد مرموق وتخرجت والتحقت بعمل إداري ثم انتقلت إلى عمل تربوي إلى أن تقاعدت هذا العام، تذكرت هذه القصة وأنا أرى اليوم ما تحظى به المرأة السعودية من فرص وتمكين لتخدم نفسها ووطنها في كل المجالات الممكنة.