لبنى الخميس
أراد مسوّق شهير أن يقيس تأثير القصص على الناس.. فاقتنى مجموعة من الجمادات، أو من الممكن أن نسميها (خردوات) لا يتجاوز ثمن البعض منها دولاراً واحداً وطلب من 200 كاتب أن يكتبوا قصصاً مشوّقة وملهمة عنها، قبل أن يعرضها على موقع عام، ليختبر الفرق في التقييم بعد إضافة القصة. هل سيزيد سعرها؟ وبكم سيقيمها الناس؟ العجيب في الموضوع أن بعض القطع تضاعف سعرها 60 مرة.. فمثلاً هناك قطعة اشتراها صاحب التجربة بدولار واحد.. وبعد إضافة القصة باعها بـ62 دولاراً.. وقطعة أخرى قيمتها 120 دولاراً بعد إضافة قصة محبوكة ومؤثِّرة لها بيعت بقيمة 8000 دولار!
البعض قد لا يصدق ذلك، بل ويضحك على جنون البعض في ابتياع خردوات منخفضة التكلفة بهذه الأسعار.. لكن فكروا فيها جميعنا نعشق القصص.. نذهب إلى السينما وندفع مبلغاً من المال وننفق ساعات من يومنا لمشاهدة قصة خيالية نعرف أن أبطالها غير حقيقيين.. بل ونخرج منها ونحن نقول.. أريد أكون مثله.. أريد أن أتحدث مثله.. وأفكر مثله.. وأتعامل مع المصاعب بشجاعته!
مرة قرأت تغريدة لفتت نظري.. تقول علّموا أبناءكم البرمجة والتصميم وتحليل البيانات.. وأضيف عليها علموهم القيادة والخطابة وسرد القصص..
الكثير من المواقف والتحديات التي ستواجه أطفالنا في المستقبل تتطلب شخصيات قوية قادرة على التعبير عن نفسها بفصاحة ودبلوماسية وفن.. حين يسألونهم عن أحلامهم بالمدرسة.. وحين يقفون ليلقوا عروضهم التقديمية في الجامعة.. وحين تتم مقابلتهم للحصول على وظيفة.. وحين يقدمون أفكارهم ومشاريعهم في حياتهم المهنية.. كل ذلك سلسلة متصلة بمهارات ناعمة هي القيادة والخطابة والسرد القصصي..
مدارسنا وجامعاتنا بحاجة إلى مناهج تضم هذا النوع من المهارات، وتحديداً قوة السرد القصصي، لأنك لو لم تخلق قصتك الخاصة وتتقن روايتها، سيكتبها الآخرون عنك، ويتناقلونها بلسانك. فالقصة المؤثِّرة للأفراد والدولة قادرة على قلب مسار الأحداث لصالحك. وحشد الصفوف معك، وتطويع الأدوات لك. كما أن القصة هي القالب الأسهل والأكثر متعة وخلوداً في التاريخ لترسيخ القيم ومناقشة الأفكار العظيمة، كما حدث في الأديان والكتب السماوية. وقصص الرسل والأنبياء، التي نقلت لنا صفات الأنبياء وقيم الصحابة والتابعين: زهد عمر، صبر أيوب، قوة الحجاج بن يوسف، دهاء عمرو بن العاص، شجاعة خالد بن الوليد.
اليوم احتراف فن رواية القصص لم يعد حكراً على صديق الشلة و»حكواتي» العائلة أو كتّاب ديزني ومحرري ناشونال جيوغرافيك، بل حرفة لها قواعد وأسرار منها إيقان معادلة القصة والرقص على إيقاعها برشاقة وذكاء ومعرفة جمهورك، بالإضافة إلى قراءة الكثير والكثير من القصص، لذا تسليح أبنائنا بهذه المهارة، وتطوير قدراتهم على التعبير الإبداعي عن ذواتهم وتقديم أنفسهم وأوطانهم بطريقة قصصية ملهمة أصبح حاجة وليس رفاهية.
أبناء المملكة.. برؤيتها وطموحها بحاجة إلى جيل استثنائي ينتج نماذج مثل سعود الفيصل وغازي القصيبي - رحمهما الله - وعادل الجبير وعبدلله المعلمي.. وهذا لن يتم وأبناؤنا يخافون من التعبير عن أنفسهم.. ويرتعبون من مقابلة الجمهور.. ويتلقون أساليب تقليدية في التعليم والتلقين والتواصل مع الذات والعالم.