عبدالعزيز السماري
تتكرر كثيراً مفردة استقلال في الخطاب السياسي في مختلف ثقافات العالم، لكنها تحمل معاني أكثر عمقاً إذا تم أخذها في الجانب الشخصي للمرء، فهي تعني الاعتراف والقبول بأنك الشخص الوحيد المؤثر في حياتك، وأنك الممثل الرئيسي في ممارسة السيطرة في كل جانب من جوانبها، وتعني فلسفة الاستقلال باختصار أنه لا أحد يستطيع أن يفعل تفكيرك، أو يقوم بأفعالك نيابة عنك، وذلك بيت القصيد في مرحلة الوعي الإنساني.
إن أكثر أشكال عدم الكفاءة الشخصية هو إخضاع عقلك إلى مؤثر خارجي، ومثال على ذلك هو القبول الأعمى لكلمات الآخرين وأفكارهم، وبالتالي أخذ خطابهم كحقائق فورية وعدم التفتيش عن مدى مصداقيتها، أو وضعها في ميزان التفكير النقدي من خلال عملية البحث عن الاستقلال الفكري.
لا بد أن يدرك المرء أن يكون حراً للسيطرة على الأفكار التي يرسلها الآخرون إليه، وهذه مقاومة مكتسبة ضد التبعية الفكرية، ويعد هذا النوع من التبعية في منتهى الخطورة، ويعني الاعتماد على الآخرين لصياغة قيمك وفلسفتك في الحياة، أو الاعتماد على تفضيلات الآخرين للحفاظ على حياتك، قد تفسر هذه الكلمات تلك التبعية الجنونية التي ذهب بسببها شباب الأمة في حروب ضد المستحيل في تجارب مريرة.
اختيار القيم والأخلاق الصحيحة لا يعني نهاية الأمر، فالاستقلال لا يكفي إذا كنت ممن يكذبون حال فراغهم من التباهي بالأفكار في المجالس العامة، فالكذب يعد خرقاً خطيراً في مهنية سلوك المرء، ويعد في هذا العصر علامة على فساد المرء ولا يمكن أن يكون مؤهلاً للنجاح في حياته العامة.
من أهم خطوات فلسفة الاستقلال القدرة على التعامل مع الواقع، ولا تعني على الإطلاق الاصطدام به، فإذا رأيت شيئًا ما يتعارض مع أفكارك تجاهله ببساطة، ولا تدخل في صراع لتغيير أفكار الآخرين، فأنت تؤذي نفسك فقط، وتعني أنك لست قادرًا على التعامل مع الواقع، ولا يمكنك الوصول أبدًا إلى درجة الاستقلال الفكري، وفي ذلك مثال حي لما تعنيه الثقافة الديموقراطية، فهي لا تعني فلسفة التبشير والانقياد، ولكن احترام عقول الآخرين في الوصول إلى درجة الإيمان بحق الآخرين في التعبير عن أفكارهم السلمية.
فكرة الاستقلال لا تعني خيانة الأوطان، ولا يمكن أن تكون وسيلة للعمل السري من أجل غايات سياسية مضادة للأمن الوطني أو استقلاله في مختلف الثقافات الإنسانية، ولكنها تعني تلك القدرة الإبداعية على البحث عن الأفكار النافعة، وتشكيل موقف عقلاني محدد عما يحدث حول المرء، والأهم من ذلك القدرة على مواجهة عيوب الإنسان ومحاولة تحسينها، وتلك عملية تتطلب جهداً ذهنياً وقدرات مختلفة، فالانقياد الأعمى يخفف من عناء الجهد، ويعني القبول بحالة الشلل العقلي، ومن ثم انتظار كلمات الآخرين لترديدها في السياق العام..
فلسفة الاستقلال ليست فضيلة سياسية، بل إنها شخصية بامتياز، وتعتمد على قدرة الفرد على تحمل المسؤولية، من أجل التحكم بشكل أفضل في حياته، والهدف النهائي هو الوصول إلى فضيلة الوعي والاستقلال، وذلك ليكون الفاعل الرئيس الذي يشجع الآخرين على أن يكونوا مثله، وكما قيل أعط رجلاً سمكة، وسيأكل ليوم واحد، لكن علمه الصيد، وسيصبح مستقلاً غير منقاداً لرغبات وغرائز الآخرين، فكن صاحب المبادرة في حياتك.