حين نستمع لمقطوعةٍ موسيقية تُشنَّف بها أسماعنا، ثمة شعور ما يبدأ بالتمرد يحفزنا على التعبير سواءٌ أكان بإيماءاتٍ جسدية على هيئة رقصاتٍ وتمايل أو بدندناتٍ صوتية تماشيًا مع النغم.
كما أنها حاضرة في حياة المبدعين فكم من فنانٍ تشكيلي لا تتجلّى فرشاته إلا على نغمات الموسيقى وكم من شاعرٍ وناثر كانت من طقوسهم الأساسية.
وعلى ذكر النثر والشعر كثيرًا ما تساءلت وأنا أقرأ بعض الأعمال الأدبية الفاخرة تُرى على أي نغمٍ كُتبت؟ أم أن الصمت مُلهمها؟
إن كانت الموسيقى مكوِّنة لإبداعهم فما هو سرها؟ كيف تسنّى لها منحهم حالة السكينة اللازمة للكتابة؟ وإن كان الصمت هو طقسهم كما هو الحال عند غابرييل ماركيز الذي لم يكن يستمع للموسيقى أثناء الكتابة كي لا تُشتت ذهنه حتى وإن كان قد أتحفَنا برائعته مئة عام من العزلة والتي قال عنها بأنها أغنية شعبية.
في حين عندما قرأت رائعة أحمد أبو دهمان (الحزام) كان أول انطباع لي عنها أنها أغنية، وقال عنها فهد عافت بأنها مُحرضة على الغناء فكيف تتحول الكلمات إلى موسيقى؟
يقودني هذا كله إلى تساؤلات حول علاقتها بالثقافة فأعود إلى رؤية أرسطو لها كربة للتهذيب والجمال، وهي ليست شكلًا فنيًا وحسب بل أحد أساليب العلاج المعتمدة عالميًا كوصفة طبية معتمدة لدى الأطباء لعلاج أذهانٍ أرهقها المرض وأجسادٍ راودَها الفناء.
أتت الموسيقى في كل الثقافات، فإسلاميًا قال الفارابي إن الإيقاع يُسهم في جمال الطبيعة وفي الحضارات الأخرى كالإغريقية والهندية كانت حاضرة في الاحتفالات الدينية وكأساليب ترفيهية وعلاجية.
فالكثير من الفلاسفة تناولوا موضوع الموسيقى وتأثيرها على الشعوب وكان من أبرزهم الألماني فريدريك نيتشه والذي أشار بأنه من خلال الفن والموسيقى تحديدًا يستطيع الإنسان الهروب من بؤس الحياة الدنيوية ليلقي نظرته الخاطفة على الحياة الماورائية.
كما أن موضوع الموسيقى استحوذ على اهتمام الكثير من المفكرين والفلاسفة والأدباء والعلماء على مر العصور واختلاف الثقافات وذلك لما لها من اتصال مباشر بالحركة الوجدانية والسلوكية، وبالفعل دورها الكبير في تهذيب النفس والحد من الهمجية جعل لها حيزًا كبيرًا في المجتمعات الراقية كعنوان للرفاهية والرقي.
أما من ناحية علمية فالاستماع لها يُحفز المخ على إفراز مادة “الإندروفين” التي تحد من الإحساس بالألم والقلق وتخفض نسبة الكآبة.
كما أن مادة “السيراتونين” يرتفع مستواها في الدماغ تحت تأثير الموسيقى الهادئة وهي بدورها تساعد في التخفيف من التوتر.
ختامًا: الموسيقى ثراء ثقافي ومعرفي، ترف معنوي وزهوٌ حقيقي، هي سفرٌ عبر الزمن وانتقالٌ عبر العوالم، هي محطة الهدوء المنشودة، نسيانٌ لكل شيء وهروبٌ من الوجع. هي هوية ولو لم تكن كذلك لما اتخذت الدول لحنًا خاصًا بها على هيئة نشيدٍ وطني يعبر عنها.
** **
- حنان القعود
hananauthor@