د. إبراهيم بن محمد الشتوي
لن أبدأ بعرض الحكاية فهي طويلة وقد تستغرق المقالة كاملة خاصة أنها جاءت مصوغة في أبيات شعر، لكنني سأقف عند الصفات التي ذكرتها كل واحدة منهن، والتفسير الذي قدمته الأخريات.
قالت الأولى وهي الكبرى أنها تتمنى رجلاً يكون غنياً شاباً، محباً، وهذه هي الصفة التي ذكرها الشعراء من قبل عما تريده النساء في الرجال، وقالت الثانية: إنها تريده ذا هيئة حسنة يملأ النظر، وقدر لا يفرغ من الطعام، حكيماً من غير هرم يشينه ولا ضعف يقضي عليه. فقلن لها: إنها تريد سيداً.
وقالت الثالثة: إنها تريده ذا أنفة وشمم، ورهطه هم رهطها، فقلن لها: إنها تريد ابن عم لها.
وأما الرابعة، فاختصرت المقال، وقالت: عود خير من قعود.
أول ما يتبارد إلى أذهاننا في هذه الحكاية الأذواق المختلفة لما تريده النساء في الرجال، فما ذكره الشعراء السابقون عما تريده النساء لا يمثل فيها غير الربع، وذلك أننا نجد «الشباب، والثراء، والحسن المشابه لهن» لا يأتي إلا مرة واحدة عند الأولى الكبرى، في حين أن الأخريات لا تأتي ضمن الصفات المحبوبة لديهن.
فالثانية تريده «سيداً»، ذا وجاهة في قومه، والسيادة في رأيها تتمثل بهيبة المنظر، والكرم، فله جفنة -كما تقول- والجفنة هي القدر الكبيرة، تشقى بها النيب والجزر، والنيب هي المسنة من الإبل، والجزر ما يربى للحم من الإبل، والحكمة سدادة الرأي من غير هرم أو ضعف يشينه.
والثالثة تريده ذا أنفة وعزة من أبناء عمومتها لا يقبل لأحد عليه يداً، في حين أن الرابعة لا تحدد خياراً بعينه، فكل مواصفات الرجال مقبولة، ما دام يتصف بالحد الأدنى مما يتصف به الأزواج، وربما تكون قد وصلت إلى هذه النتيجة أو الخيار لما رأته من حال أخواتها الثلاث السابقات لها، فأبوهن غيور لا يزوجهن، وهي في المرتبة الرابعة، فأمامها صف طويل من الأخوات هن المقدمات عليها، وحظوظها في الزواج قليلة من هذه الزاوية وظنها أنها لن تتزوج فلم تطل التفكير في صفات الزوج المنتظر.
والأمر المهم كما أسلفت أن الصفات التي ذكرها الشعراء من قبل، وهي تبين ما تريده المرأة في الرجال (الشباب، والغنى)، وينبي عليها تحديد اهتمامات المرأة حيث الرغبة في الاستمتاع في الحياة بوجوهها المختلفة، وعدم الرغبة في تحمل المسئولية في أي وجه من الوجوه، والميل إلى الدعة والترف، فالاستمتاع يوفره الشباب بالقدرة على الوفاء بحاجات المرأة الجسدية والنفسية، والمال يوفر الحياة الرغيدة، ويقضي وطرها في الرياش والزينة دون أن تبذل عناء أو تقلق لكساء أو طعام، ما يجعلها خلواً من الاهتمام بعظائم الأمور، أو الرغبة في إنجاز عمل ذي بال في حياتها، بعيدة عن الصبر على مكابدة العيش ولغبه.
هذه الصفات ليست الأغلب، بل إن البنت الثانية لتظهر اهتماماً معاكساً لهذا الاتجاه كل العكس، فهي تطمح بـ»سيد»، كثير الضيوف، وليس الكرم وحسب، وإنما أيضاً سداد الرأي فكأنه مرجع في الاستنارة والمعرفة، ولا تأتي قيمته من أنه يقدم الطعام بالمجان، فكأن هؤلاء الذين يحضرون لديه ليسوا من الذين يأتون ليصيبوا طعامه وحسب، وإنما ليصيبوا من علمه وفكره.
فهو ذوق بعيد كل البعد عن الانشغال بالمعاش، أو المتعة بقدر ما هو حرص على المساهمة في هذا العالم الكبير الذي يمثله «السيد»، وقبوله بكل ما فيه من عناء متابعة الضيوف وأحوالهم، وعناء انشغال البعل بشئون من يفدون إليه يستقون من حكمته.
والعمر ليس في ذهنها إلا إذا كان يمنعه من القيام بهذه الصفات التي تريدها في حليلها وهو الهرم المشين أو أن يكون ضعيفاً لم يجرب الأمور.
والثالثة تريده من قومها، فهي متضافرة في نفسها، ترغب أن يكون أولادها منهم، ولا تريد أن يليها أحد من سواهم، عزة وأنفة بنفسها، تحب أن تراهما في زوجها وتوءم روحها (كما يقول الفرنجة)، فتكون حرباً على قومها، أو أن تفضل أحداً ولو كانوا أبناءها عليهم.
هذه الصفات التي تبحث عنها في زوجها تجعلها تسعى لأن تجعل السيادة لقومها على غيرهم، وتأبى أن يفضلهم سواهم، فهي تهتم لأمر العشيرة، وتقدمها على نفسها، وتسعى لأن تكون عضواً فاعلاً في إعلاء شأنها على غيرها من القبائل.
هذه الغاية تتحقق عن طريق «العزة» والأنفة»، التي تمنعهم أن يقبلوا لأحد عليهم يداً أو أن يقبلوا الضيم والذل، وجاءت تشبيهها للرجل بأنه «أشم كنصل السيف عين المهند».
ولا نريد أن نطيل القول في رأي الرابعة، غير أن ما قدمته من صفات الرجال المحبوبين لدى هؤلاء الفتيات يبعدهن عن رأي أولئك الشعراء فيهن، وزعمهم بأنهم خبراء بالنساء، واغلب الظن أنهم يخبرون نوعاً واحداً منهن وليس كلهن، فأذواقهن بالرجال متنوعة بتنوعهن، وأقل ما يجذب النساء في الرجال ما ذكره هؤلاء الشعراء.