عبد العزيز الصقعبي
في معارض الكتب العربية، عندما يقوم الزائر بجولة على الأجنحة للاطلاع على إصدارات دور النشر، نجد أن بعض الناشرين يسأل هذا الزائر عن ميوله القرائية، ليقدم له إصدارات دار النشر المتعلقة بالميول، أحيانا يفاجأ هذا الزائر بعدد كبير من العاملين بدار النشر بالذات دور النشر التي تهتم بأدب الشباب، يرحبون به ويقدمون له قائمة بالإصدارات، ويقدمون معها توصياتهم.
كل هذا طبيعي فكل ناشر حريص على تسويق الكتب التي أصدرها، ونحن نعرف أنه ليس كل الناشرين يقومون بذلك ولكن غالباً دور النشر الحديثة والتي تفاجئنا بذلك الكم الكبير من الإصدارات، على الرغم من أن إصدارات تلك الدور غير موجودة بالمكتبات التجارية، والأغرب أن بعضها طبع منه طبعات متعددة قد تتجاوز العشرين أو أكثر، وأنا هنا لن أتكلم عن تلك الكتب أو عن دور نشر التي تصدرها، ولكن سأتساءل، هذا هذه ظاهرة صحية، مع العلم أنني على دراية بمنافذ التوزيع الحديثة التي تعتمد على طلب الكتاب عبر الإنترنت، وإرسالها بالبريد ليصل إلى القارئ بسهولة، ولكن كيف اختار القارئ ذلك الكتاب وتهافت على شرائه في معرض الكتاب أو إلكترونياً، بالطبع بعض الكتب من تأليف مشاهير الميديا الحديثة، لذا فبكل تأكيد أغلب المتابعين سيسعون لاقتناء الكتاب، وهنا تتغير مقاييس الإبداع والقدرة على التأليف، فالأديب الكبير الذي لا علاقة له بوسائل التواصل الحديثة لن يصل مطلقاً لشريحة كبيرة من القراء لهم أجندتهم الخاصة.
هنالك خلل في حركة النشر في الوطن العربي، كثير من الكتب الجيدة والمتميزة تصدر وتعرض في معارض الكتب وربما المكتبات التجارية، ولكن القراء لا يعرفونها إلا إذا دلهم أحد عليها، وهذا لا يحدث دائماً، إضافة إلى تأثير الجوائز الكبيرة على التوزيع، لذا لا نستغرب أن يكتب الناشر على الغلاف « القائمة القصيرة أو القائمة الطويلة أو الكتاب الحاصل على جائزة كذا».
لم أتحدث بعد عن الخلل في النشر وأعتقد أنه معروف، ألا وهو الإعلان والترويج للكتاب، في الوطن العربي للأسف لا يوجد مجلات خاصة بعروض الكتب أو رصد للكتب الأكثر مبيعاً، يصدر الكتاب ويحدد مصيره جهد المؤلف وأحيانا الناشر ببث عدة تغريدات عنه أو إخبار قد لا تنشر في أغلب الصحف والمجلات، هنالك مواقع خاصة بالقراءة وتسجيل الانطباعات عن الكتب، ولكن تلك المواقع لا تروج للكتاب بل توضح رأي قارئ ما تجاه كتاب قرأه.
في الآونة الأخيرة أصبح النشر سهلا، بل أن بعض الناشرين وجدوا في هذه السهولة وسيلة للكسب، من خلال التواصل مع بعض من يكتب أو تكتب خواطر أو مقاطع شعرية في الفيس بوك كمثال، يطلب الناشر من صاحب أو صاحبة تلك المقاطع بتجميعها وتقديمها في كتاب مطبوع، بكل تأكيد أن التأليف والنشر له بريقه، كل ما في الأمر هو تجميع تلك الكتابات ووضعها في ملفات «الورد» وإرسالها مع دفع قيمة النشر التي قد تتجاوز تكلفة إصدار خمسة كتب كبيرة تصدرها تلك النشر، وقد سمعنا كثيراً عن عمليات النصب تلك.
استسهال النشر وعدم وجود ضوابط لتقييم الكتاب أغرق سوق النشر بإصدارات قد تكون عبئاً على الثقافة العربية، ولا ننسى أن التسويق والمبالغة بالمدح لزائر يأتي لمعرض الكتاب، يجعله يشتري كتباً قد لا يقرأها، وربما لو قرأها لا يجد بداخلها ما يستفيد منه، النشر في الوطن العربي وتحديداً في دول الخليج العربي يحتاج إلى إعادة صياغة، فليس كل ما ينشر يستحق القراءة.