عبدالعزيز السماري
من التحديات الحالية أن تصنع ثقافة اجتماعية تؤدي إلى حالة من الاستقرار الدائم، وإلى تقليم أفكار العنف والإقصاء، وهو ما يطرح تساؤلات من أجل الوصول إلى تلك المرحلة، وقد يُساء فهم الديموقراطية، على أنها نوع من الشعبوية السياسية، أو الفوضى السياسية، وقد تكون كذلك في بعض تطبيقاتها المطلقة، لكنها الغرض من الطرح ليس بمعناه السياسي، لكن من خلال معانيها الثقافية، وهي بذلك تكون أكثر عمقاً من تطبيقاتها السياسية الفوضوية..
من أسس السلام في المجتمعات الإيمان بالثقافة الديموقراطية، وفي ذلك أبعاد اجتماعية هدفها الاتفاق على ثقافة عامة للسلم الاجتماعي، ويكون الوصول إليها من خلال تطوير ثقافة مدنية ديمقراطية، وتعني بذلك السلوكيات، والممارسات، والأعراف التي تحدد قدرة الناس على احترام بعضهم بعضًا مع الاتفاق على المبادئ العليا للوطن.
تشجع الثقافة الأحادية على ثقافة السلبية واللامبالاة، وعلى النقيض يسهم تشجيع الثقافة المدنية إلى نشوء مجتمع ديمقراطي تتشكل من خلاله الأنشطة التي يتم اختيارها بحرية للأفراد مع احترام وحدة الوطن وتاريخه السياسي، ومن خلاله يسعى المواطنون إلى تحقيق مصالحهم وممارسة حقوقهم وتحمُّل المسؤولية عن حياتهم الخاصة، ويتخذون قراراتهم الخاصة حول المكان الذي سيعملون فيه، وأي نوع من العمل سيقومون به، وأين سيعيشون..
الأدب والفن والدراما والأفلام نوع أساسي من التعبير الفني لثقافة المجتمع، ويمكن لأي مجتمع ديمقراطي أن يدعم أو يشجع على نحو آخر الفنانين والكتاب، لكنه لا يضع معايير فنية، ويصدر أحكاماً على قيمة الأنشطة الفنية، ويدخل ذلك في المساهمة الأساسية للثقافة الديمقراطية لاستكشاف الوجوه الأخرى في المجتمع الذي يحترم التعددية. الثقافة الديمقراطية مطلب لعدم الاستقطاب والصراع في المجتمعات، ومن المهم أن ندرك أن العديد من هذه التوترات، وحتى المفارقات، موجودة في كل مجتمع ديمقراطي، وبالتالي يجب إدارة الصراع في حدود سلطات عليا تحرص على الوحدة الوطنية، ويجب أن تكون منصهرة في خدمة الدولة..
الإشكالية أن بعض الجماعات تستغل هذه الثقافة إلى تمرير مشاريعها الاقصائية، وهذا هو على وجه التحديد بيت القصيد في الموقف من جماعات الإخوان والقومية العربية والطائفية السياسية، فمبادئها التي تقوم عليها تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، لذلك يجب الالتزام بمبادئ هذه الثقافة العصرية جملة وتفصيلاً، ومن يكفر بها لا يجب أن يسمح له بالمشاركة في إثرائها، ولهذا يحتاج المجتمع الديمقراطي إلى التزام المواطنين بمبدأ التسامح واحتمال الآخرين المخالفين لهم...
ما يواجهه العرب في هذا العصر خليط ثقافي عجيب، ولا غرابة فما يتداولونه في أطروحاتهم إفرازات سلبية لثقافة أحادية متطرفة، فالاستقطاب العروبي القومي، وجماعات الإسلام السياسي، والعسكرتاريا لا تتفق مطلقاً مع الثقافة الديموقراطية، ولا يمكن أن تنتج مجتمعًا مسالماً، ولكن تسهم في إثراء العقول بالميل للعنف والإقصاء، ولهذا يجب على السلطات العليا أن تبدأ دمقرطة الثقافة من خلال التعليم، فالعنصرية والأحادية والشوفونية لا يمكن أن تؤدي إلى استقرار اجتماعي.
الثقافة الديموقراطية لا تعني فتح الباب لحرية الرأي على مصراعيه، فالنازية والفاشية لا تؤمن بالثقافة الديموقراطية، لذلك فهي منبوذة في هذا العصر، فالتحولات التاريخية تجاوزت تلك المراحل التي عصفت بأوطان وأمم، وأدت إلى حروب عالمية في زمن صعودها إلى مرحلة السيطرة على العقول.
ما يحدث من متغيرات اجتماعية يُعَدُّ مدخلاً رئيسًا للثقافة الديموقراطية، وقد نواجه كثيراً من المعوقات، وسيكون الطريق إليها ملغومًا، وسنواجه تحديات، لكن سنصل من خلال التوافق على المبادئ العليا للوطن، ولمصالحه الكبرى التي لا تقبل المساومة بأي ثمن.