د.فوزية أبو خالد
لا أدري ماذا أفعل ولمن أشتكي سعادة رئيس التحرير أ. خالد المالك الصديق والزميل والماسترو العزيز البارع الخصم والحكم، فكلما كتبت بعد مشقة وعناء وفي أوقات شدة أو رخاء وعلى صحة أو مرض بتفكير عميق وتأمل مستغرق لدرجة تدمي أصابعي وتجرح وجداني جاءني الرجل المهيب بحنانه الجارف وبجرة قلم كتب على مقالي غير صالح للنشر... بمعنى يستبعد أو «ضفي مقالك» «ثكلتك الكتابة».
أحيانا يطالبونني بمقال بديل فأنفر لأنه هل من المعقول أن أقول مولاي وروحي في يده قد ضيعها سلمت يده أو هل يمكن أن تسول لي نفسي لا سمح الله بعد هذا العمر بقول ذلك المثل البائس «اليد التي لاتستطيع كفها صافحها وأدعو عليها بالصلاح» فلا أرى بدًا من أن أكظم غيظي وأنصرف لا ألوي على شيء إلا ماتبقى من أطياف الأمل في المخيلة. أحيانا أخرى حين يطلب مني مقالاً بديلاً للممنوع من النشر فأستجيب تحت تأثير كل ما للأستاذ خالد المالك من تاريخ في الانحياز للكلمة الحلوة ولحرية الرأي وإن على نفسه, فإن كان حجب لي مقالا أو مقالات فلطالما فسح لي ولبقية من الكاتبات والكتاب كتابات لا تمثل إلا وجهة نظر صاحبتها أو صاحبها مع احتمال أن تعم تبعاتها على الجريدة. ولربما هو رئيس التحرير الوحيد الذي استطاع اليوم لأكثر من ربع قرن أن يصمد بكتاب مخضرمين وشباب على حد سواء لا تعوزهم مسؤولية الكلمة ولا يعوزهم عنفوان الحرف وإن قلوا أو تناقصوا أو تذبذبوا. لذا أراجع نفسي وأمتثل للطلب وأقوم بكتابة مقال بديل على ندرة ذلك أو أقوم بترميم المقال الممنوع بعد هدمه بيدي. وأحيانا في مزاج رفيع من الاكتئاب أو الملوكية أترك الأمر برمته ليد رئيس التحرير وأبيح له أن يحذف منه أو يضيف إليه ما يشاء. وللأمانة فإن أبا بشار الأستاذ خالد المالك ومثله كان د. عبدالله مناع كرئيس تحرير وقد عملت معه في فترتين مختلفتين في سقوفهما.. غالبا مايقوم بإرسال النسخة المعدلة لي للاطلاع إلا أنني غالبًا لاأفعل فأنا لا أطيق قراءة مقالاتي شخصيًا بعد الجراحة.
غير أن الآونة الأخيرة يكاد ينطبق عليها قول بلغ السيل الزبى فلا يكاد يمر مقال دون تحسس وأربأ بطاقم التحرير الغالي ورئيسه عن قول تجسس، بل إن الأمر بلغ مبلغا كاريكتاريا مضحكا أكاد أقول معه إنه بين كل أربعة مقالات شهريًا تصادر خمسة. ومع ذلك يكتب الأستاذ النشط محمد عبدالرزاق القشعمي -أمد الله في عمره وفي مداده- كتابا كاملا عن تجارب المقالات الممنوعة ولا يذكر فيها من تجارب نصف ربع قرن من شد وجذب المنع من النشر إلا تجارب الزملاء الرجال فقط من الأحياء أو ممن انتقلوا من رحمة الرقيب لرحمة الله، دون أن يذكر اسم كاتبة واحدة مع أن بعضهن لهن صولات وجولات مع المنع من النشر وقد يكون منهن على ما سبيل الظن وليس التأكيد د. فاتنة شاكر ود. هتون الفاسي ود. فوزية البكر د. عزيزة المانع والكاتبة سارة بوحيميد ووجيهة الحيودري والله أعلم.
وهذا وإن لم يكن شرف يدعى إلا أنه واقع يدعو للتأمل وسُؤال يسأل في سيسولوجيا مد وجزر المنع من النشر وارتفاع أو انخفاض الأسقف، من قبل علماء الاجتماع والسيسيولوجيين الجدد والقدامى إن شاؤا، أمثال تلك الأسماء البارعة في التحليل الاجتماعي ومنهم بجدارة د. خالد الرديعان، د. خالد الدخيل، د. حميد الشايجي، د. عبدالله العقيل، د. عبدالرجمن الشقيري، أ. فايد العليوي والأستاذ عبدالعزيز الخضر وكذلك العديد من الزميلات مثل د. لطيفة العبداللطيف، د. سناء العتيبي، د. عزيزة النعيم وثلة من الشابات كالكاتبة الجادة المُجيدة إيمان القويفلي والمحاضرة عبير السفيران، وضحى الملاحي، صيتة الحميدان، منتهى المحارب، أفنان الرويبعة، انتصار الخثلان، عفاف الأنسي وشيماء حمدي خال وسواهن وسواهم من الجيل السيسولوجي الصاعد الذي نعقد عليه العشم بأن لا ينأى عن نبض الشارع ومطبخ الصحافة وجدران السوشل ميديا ولا عن المجتمع بخبزه وملحه وبحلمه وجرحه. ليس هذا خروجًا عن الموضوع بالضبط وقد يكون ولكنه على الأقل محاولة لوضع خاتمة سعيدة للمقال على طريقة الأفلام العربية القديمة وإن كنت أشك بأن ذلك لا يزال ممكنا إلا أن ليس لي إلا التمسك بريشة الأمل أو تخيل ذلك.
فهل يمر هذا المقال الذي لا أقول فيه شيئًا يذكر أو ينسى وأنا أكتبه في وقت ضيق كأن على رأسي الطير كبديل لمقال آخر لن يرى النور؟
دعاء
ألف رحمة ونور لصاحب زاوية (مع الفجر) أ. عبدالله خياط وعزائي الحار لأسرته وأبنائه وزوجته وابنته سحر ولأسرة الصحافة فقد كان رئيس تحرير وكاتبًا من الحريصين على مد حبال التواصل مع المجتمع من القمة للقاع وكان خبيرًا في التنبؤ بمستقبل الكُتاب والكاتبات فقد غامر وفتح لي نافذة عمود قطرات بالصفحة الثانية بجريدة عكاظ يوم كنت تلميذة في ثاني متوسط بالمدرسة الأولى بجدة، كما كان حفيا بغيري من طلائع أسماء الكاتبات مثل د. فاتنة شاكر، وأ. ثريا قابل ود. ابتسام حلواني في عمودها أطياف.
****
دعاء عريض بأن يكسو الرحمن الزميل سعادة الأستاذ فهد العبدالكريم بحرير الصحة
وأن يخرجه من هذه الفاجعة الصحية الأليمة معافى سامقًا وكأنها لم تكن إلا سحابة عابرة ليعود على رأس العمل في بلاط الصحافة.