د. أحمد الفراج
سيتوقف المؤرِّخون طويلاً عند فترة الرئيس ترمب، إذ لم يسبق في التاريخ الأمريكي أن فاز رئيس بالحراك الشعبي وحده، رغماً عن أنف الإعلام، الذي كان دوماً هو الفيصل في حسم معارك الرئاسة، ورغماً عن المؤسسة الرسمية، التي لم تكن تمانع في فوز ترمب، ولكنها كانت ترغب بفوز هيلاري، والأطرف هو أن فوز ترمب جاء رغماً حتى عن الجمهوريين، الذين حاولوا بشتى السبل دعم منافسيه في الانتخابات التمهيدية، وكانوا يرغبون بوصول مرشحين آخرين، مثل جيب بوش، أو تيد كروز، أو ماركو روبيو، الذين جندلهم ترمب، في واحدة من أغرب الحوادث الانتخابية، ما اضطر الحزب إلى دعمه مرغماً، عندما أدرك أن عدم فعل ذلك، سيقود إلى انشقاقات في صفوف الحزب، قد تؤدي إلى نتائج وخيمة.
أصبح ترمب، بسبب كل ذلك، محاصراً من الدولة العميقة والإعلام، وكان مخرجه الوحيد هو اللجوء للجمهور، الذي أوصله للبيت الأبيض، فقد حسم أمره مبكراً، وراهن على جمهوره، ولذا لم يستسلم لسطوة الإعلام، ودخل معه في معارك شرسة، ولم يكن أحد يظن أن باستطاعة أي سياسي هزيمة الإعلام، أو الدخول معه في مهاترات وتحدٍ، لأن إعلام أمريكا يتميز بالشراسة والحدّة، وبإمكانه هزّ صورة أي سياسي مهما كانت قدراته وسطوته، ولكن ترمب، وإن لم يستطع هزيمة الإعلام، فهذا أمر مستحيل، إلا أنه واجهه بكل ما يستطيع، مستخدماً حسابه الشخصي على تطبيق تويتر وتجمعات أنصاره، الذين لم يوفرهم الإعلام من النقد، ووصفهم بأنهم أغبياء وعنصريون، لأن هذا الجمهور تضامن مع رئيسه المنتخب، ووقف معه وسانده، ومما لا جدال فيه أن ترمب، وإن لم يكن خطيباً مفوهاً، إلا أن لديه قدرة عجيبة على تحريك مشاعر الجمهور، بشكل لا يجاريه فيه أحد!
ما يميز ترمب، هو قدرته الفائقة على التحدي، ولعلكم تذكرون أنه أثناء الانتخابات الأمريكية، وعندما لم يكن أحد يتوقّع له الفوز، كان يؤكّد في كل مناسبة على أنه الرئيس القادم، ولم يكترث باستطلاعات الرأي، ولا بسخرية النقاد والمعلقين، الذين ذهلوا، وفقدوا مقدرتهم على الحديث، وأطرقوا برؤوسهم، في تلك الليلة النوفمبرية المشهودة من عام 2016، عندما فاز بالرئاسة، وهو لا يزال يواصل هذا النهج، معلناً التحدي للمحقق الخاص في قضية التدخل الروسي، ولمجاميع إعلام اليسار البائس، الذي تقوده كبريات الشبكات التلفزيونية والصحف الكبرى، لأنه يدرك أنه نجح في تشويه هذا الإعلام المنحاز لدى جمهوره، من خلال تكرار وصفه بالإعلام الكاذب، ولأنه أيقن أن من سيحمله في معركة إعادة الانتخاب هو هذا الجمهور، وليس الإعلام كما جرت العادة، والإعلام يدرك هذه الحقيقة، ويزداد حنقاً وغيظاً، لكنه لا يستطيع فعل شيء، غير مواصلة حملات الكذب والتضليل والانحياز المكشوف.