«الأخيرة»
الثقافة – كما عرفناها في مقال سابق – هي مصطلح للدلالة على (ناتج التجربة الإنسانية للمجتمع والفرد تاريخياً وجغرافياً، وتقاس بمقدار فاعليتها الاجتماعية)، أما العملية الثقافية كمصطلح – هي (النشاط الجماعي والفردي الذي يؤدّي إلى تجسيد العناصر الثقافية).
التأكيد على العمل الفردي؛ إلى جانب الجماعي ليس من باب الفصل بينهما؛ فالفرد ذاته هو نتاج المجتمع؛ أي أن النشاط الثقافي هو نتاج التجربة الاجتماعية بالأساس، ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أن العمل الجماعي يتم إنجازه بواسطة أفراد، وقد يكون الفرد سلبياً: أي يكون فعله الثقافي يجر المجتمع إلى الوراء، أو إيجابياً: أي أن فعله الثقافي قولاً أو عملاً أو كليهما يؤدي إلى تطوير المجتمع.
من هذا المنطلق نطرح السؤال التالي: كيف يتم تعزيز النشاط الثقافي الإيجابي وتقليل السلبي قدر الإمكان؟ ... الإجابة لا بدّ أن تكون على شكل نقاط؛ لذلك نقول: أولاً- النشاط الثقافي الغير ممأسس هو عشوائي؛ ويجعل المثقف – مهما كانت إيجابيته – في ضياع مستمر؛ وفاقد للعلاقة بينه وبين المتلقي. أما عمل «المؤسسات» يضمن فاعلية أكبر للمثقف الإيجابي؛ ويرتقي بوعي المثقف والمتلقي في آن معاً.
ثانياً – المتلقي للنشاط الثقافي هو التلميذ في المدرسة؛ والطالب الجامعي؛ وقارئ المطبوعات؛ ومشاهد الفضائيات؛ ومستخدم وسائل التواصل الاجتماعي؛ وغير ذلك، أي المجتمع برمته – بما في ذلك المثقف ذاته - الذي يكون متلقياً لنشاط غيره إذا كان النشاط ضمن مؤسسات، توجه النشاط ضمن قوانين مؤسساتية واضحة.
ثالثاً – الإعلام هو المشرف العام على المؤسسات الثقافية، أي المناهج المدرسية لتنمية قدرات التلميذ، والخطط المنهجية لمختلف الجامعات «لتأهيل» الكوادر لما تتطلبه الحاجة المجتمعية. ولذلك لا بدّ من أن يكون الإعلام ذاته «ممأسساً» وشفافاً كي يستطيع القيام بهذه المهمة.
عناصر العملية الثقافية – كما أشرنا في مقال سابق – هي (المعرفة والتأهيل)؛ والمعرفة هي (التربية) و(التعليم) و(الإعلام)؛ أما (التأهيل) فهو البنية التحتية للعملية الثقافية كلها، حيث يبتدئ التأهيل ما بعد المدرسة. فالمدرسة هي مؤسسة لتنمية قدرات الفرد؛ ولذلك يسمى الفرد (تلميذاً)؛ أما بعد المدرسة – سواء في الجامعات أو المعاهد أو الدراسات العليا - هي لتأهيل الفرد ليكون كادراً يلبي الحاجة المجتمعية؛ لذلك يسمى (طالباً). وبما أن «حاجة المجتمع» هي الأساس لتأهيل الكوادر في العلوم والأدب والفلسفة والفن؛ أي العملية الثقافية برمتها؛ إذن لا بدّ من أن يكون النشاط الثقافي، الذي نسميه (العملية الثقافية) مستنداً إلى مؤسسات وليس عملاً فردياً عشوائياً.
لقد حاولت خلال عدة مقالات تبيان ما هي الثقافة والعملية الثقافية من وجهة نظري الخاصة، واعتماداً على ما استطعت الاطلاع عليه، ولا أود القول أن هذا (كلام نهائي)، إنما أنا في أمس الحاجة (للاستعانة بصديق)، بل أصدقاء كثر من أجل ورشة عمل يسهم فيها الجميع للخروج بتصور جماعي عما يحتاجه مجتمعنا من ثقافة فاعلة.
- د . عادل العلي