نستكمل ما بدأناه سابقًا في قراءتنا لرسالة (اللسانيات والتكامل الثقافي المتوازن في تعليم العربية لسانًا أول) للأستاذ الدكتور محمد صلاح الدين الشريف، من إصدارات مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية:
- ويبلغ التجهيل مداه ص112: «لكننا نشدد رغم ضيق المقام على أن أغلب [هكذا أغلب] من ينتصرون إلى هذه النظرية أو تلك، سواء أكانت قديمة أم مستحدثة [لم يسلم منه لا أهل التراث ولا غيرهم]، إنما هم على درجات من الاقتناع العقدي بما يتجهون إليه من خيارات، وبما يقدمونه من مبررات. بل كثيرًا ما لاحظنا عند المعتقدين في بعض النظريات والمنتقدين لغيرها نقصًا فادحًا في فحصهم للأسس الفلسفية العميقة المتحكمة في اختيارات أصحابها [بعثرة الرمي بالجهل بلا كلل]. ليس هذا النقص سمة الدارسين العرب فقط. بل من الضروري الواجب أن ننبه إلى أنه نقص مستفحل في ثقافتنا دون أي مبرر علمي أو ديني. ففي الغرب على الأقل...» ثم يمضي بالثناء على الغرب، هل لو أطلق أحدنا هذا الكلام على ثقافتنا لن يتعرض للأذى من اللغويين الآخرين وبعضهم يمجّد صاحب هذه الرسالة؟! ثم يمضي في طريق الواثق المنتقص لغيره فيقول 113: «إلا أن الكثير [لاحظ الكثير] من المختصين العرب، وبالخصوص في المجالات الطبيعية، يعتقدون لضعف ثقافتهم أن العلم مستغن عن الفلسفة.»!!!! فلم يسلم منه حتى المختص بالمجالات الطبيعية؛ فهل لهؤلاء المختصين الحق في رميه بالمثل من ضعف الثقافة؟! فصاحبنا نصّب نفسه حكمًا على التخصصات وأصحابها وانتقص منهم!
- ص115: «فليست العربية هي اللسان الوحيد الذي تساءل دارسوه إلى أي حد يحتاج تعليمه إلى المعرفة اللسانية الحديثة. إلا أن طرحها في العربية لا يخلو من موقف سلبي مسبق.»!!! هكذا نصل إلى مرحلة الحديث في النوايا.
- ثم يمضي ليصف حال أناس إخالهم من مريديه لدينا فيقول ص117: «أما الانتصار للقديم على أساس العصبية والنعرة العقدية، فليس من العلم في شيء، وهو أخطر على العربية من إهمالها، وترك أمرها لقدرها؛ فمثل المتزمت في النحو كالمتزمت في التطبيب، يفضل العلاج الرعواني على العلاج المدروس، والمثبت بمناهج الاختبار» أود أن أتأكد هل فَهِمه بعض من يستمع إليه ويعدّه علمًا في العربية تراثها وحديثها؟!
- ثم يمضي للثناء على بعض القديم لكن يذيله بتوصيفات ربما تشي بالتراجع عن الثناء أو بالتردد على الأقل في إطلاقه دون قيود فيقول ص118: « أما في مبادئ تعليمية الألسن، فلا نرى ما يستوجب التعمق في بعض التفسيرات على صورة قد تؤدي إلى تقييم النظرية القديمة تقييمًا سالبًا بعد مقارنتها ببعض المقترحات الحديثة. فقلّ ما نجد عند التثبت في المعطيات الوصفية التي خلفها العلم القديم ما يناقض جوهريًا الوقائع المشهودة حاليًا، حتى وإن كانت ناقصة أو مختلة نسبيًا.»!!
- في الفصل السابع ص121 كلام جميل لكن هل طبقته الرسالة؟ هذا أمر متروك للقارئ وانطباعه من قراءته.
- من الكلام الجميل العام الذي ذكره وأوافقه عليه ص121: «ما نشدد عليه هنا هو أن التردد الثقافي العام في قبول بعض المجتمعات كمجتمعاتنا العربية الإسلامية لروح الثقافة العالمة تردد غير قابل للفهم والمعالجة طالما بقينا ندرجه في مفاهيم التجديد والتقليد والتخلف والتقدم وما شابهها من الأحكام التقييمية.» وليت الرسالة التزمت بهذا منهجًا لها، ولم تتجاوزه إلى تصنيف المخالفين وتقييمهم سلبيًا وتعظيم ما تقدمه.
- ثم رمى تهمة عامة لا أعلم هل لديه دليل عليها أم لا، حيث يقول ص122: «بل كثيرًا ما لاحظنا عند كبار الأعلام أفكارًا كثيرة [هكذا كثيرة، وكبار أعلام] لا أشك في أنهم استلهموها عن لسانيين غربيين سابقين منسيين من القرنين الماضيين، فكيف إن لم يكن غربيًا ولا من العصر الحديث...» ولا أعلم هل يحق لأحد أن يبادله التهمة فيما يزعم أنه منهج خاص له تفرد به؟!! وفي خضم هذه التهم لا ينسى أن يمر على المجموعات العلمية لدينا فيقول في الحاشية 1 ص122: «من السذاجة أن يتوهم البعض من المتشدقين [هكذا متشدقين، علمًا أن من يرى الحداثة مذموم لدى بعض قومنا على أية حال والشكوى لله] بالحداثة... لكن، بقدر ما نجد بيننا سذّجًا من هذا الصنف، نجد بيننا من هم أسوأ منهم، وهم هؤلاء الذين يسرعون إلى التمجيد والتنويه والتبجح [لاحظ الكلمة] بالسبق لأدنى فكرة يجدونها في القديم شبيهة بفكرة حديثة [من يقصد هنا يا ترى؟!]...» وهل ينطبق عليه ما ذكره ص130: «نلاحظ أن كثيرا [لاحظ الكلمة] من المبشرين باللسانيات الحديثة يغترون بما يصطدمون به من اختلاف بين القديم والحديث في تشبيك المصطلحات والمفاهيم، ولا يتفطنون إلى أن الحقائق اللسانية قابلة للتمثيل بأكثر من شبكة اصطلاحية أو مفهومية، وأنه من الممكن دائمًا [لاحظ الكلمة] ترجمة هذه الشبكة إلى تلك والعكس بالعكس.» فهو صنّف من يمجّد وينوّه و((يتبجح)) بسبق التراث لأدنى فكرة!!! هل فهِمه بعض من يقرأ ويحضر له؟!!
- ثم يمضي في التجهيل بالجملة ص125: «على خلاف الشائع [مع شيوعه فهو جهل] بين المحدثين ممن يجهلون المنطقين الأرسطي القديم والحملي الحديث...» «ليس هذا التصور المبسط للجملة في النحو المدرسي رأي أغلب النحاة الكبار؛ بل هو تصور ناتج عن التسطيح الفكري العام الذي ساد الثقافة العربية في القرون الموالية لسقوط بغداد، وعن اختيارات شروح بعض الأعلام كشروح نحو ابن مالك بالخصوص... فلم يكن الدارسون [126] لهذه الشروح دائمًا على وعي ...»
- ص128: «...أساء المحدثون استغلالها لسوء فهمهم لها وضعف ثقافتهم المنهجية» فهم لا يفهمون ويسيئون الاستغلال، فماذا بقي لهم من فضل؟!! نحن إذن أمام محدثين جمعوا السوء والجهل والاستغلال!
- ص132: «فليست النظرية القديمة مسؤولة عن النقص في توظيفها اللساني ولا في توظيف اللسانيات لفهمها. وإنما النقص في ما نتّبع من مناهج بالية متشبثة في تبويبها بما خلفته القرون الجامدة.» أعتقد أن أقسام اللغة العربية لا زالت (تتشبث) بما (خلفته) القرون (الجامدة).
- في الخاتمة لا يفوته التأكيد على توسط منهجه ص136: «فليس في ما ذهبنا فيه ما يرضي المجددين، وليس فيه ما يثلج صدر المحافظين. كذلك شأننا واللسان العربي منذ عشرات السنين، لا تزمت ولا تهور...» أما الآخرون فلم يسلموا من التزمت والتهور الذي حفظ الله هذه الرسالة منهما!!
- يتحدث عن المنهج العلمي الرصين ثم يعقب ص136: «وليس هذا بالمتوفر في سلوك الدارسين...» هكذا وبكل أريحية! لكنه متوفر في سلوكه هو!!
- ص137: «فاللسانيون العرب الذين أقاموا شهرتهم على النقل المعرفي الأمين للنظريات اللسانية، أخذوا من كتب النحو التقليدية أكثر مما صرحوا به...» فحتى الرواد لم يسلموا من هجاء هذه الرسالة والقدح في نزاهتهم العلمية!
سأتوقف هنا وسنكمل في الحلقة التالية والأخيرة ما بدأناه.
- د. صالح بن فهد العصيمي