عبد العزيز الصقعبي
قد تكون الصحافة هي المنبر الأول الذي أطل منه أغلب الأدباء في المملكة، منذ بداية صحافة الأفراد التي غالباً أنشأها وأدارها مجموعة من الأدباء، كان ذلك حين كانت صحافة الأفراد، تحولت الصحف إلى مؤسسات وتغيّر الزمن فبدأ الحضور الأدبي والثقافي ينحسر أمام السياسة والاقتصاد والرياضة، فغاب بريق الثقافة واختفت نجومية الأدب، شريحة القراء بعد أن كانت نخبوية إلى حدّ ما، توسعت، وفرضت اهتماماتها، الرياضية في البدء والسياسية والاقتصادية، ثم كان التوجه لمشاكل المجتمعات وقضاياهم، فرأينا شريحة كبيرة تهتم بالشأن العام.
كل تلك الشرائح من الكتّاب بمختلف ثقافاتهم واهتماماتهم يجمعهم حب الوطن والذود عنه، وهو أمر لا جدال فيه مطلقاً، ربما هنالك من يقول إن الصحافة الورقية بدأت تنحسر وقلّ متابعيها، أمام سطوة انتشار الفضائيات، ثم هيمنة الإعلام الجديد، وأنا هنا لا أقول إن الصحافة بأحسن حال لها، ولكن أعترف أن الزمن تغيّر، فبدلاً من أن نبحث عن صحيفة ما لنقرأها، تصلنا الصحيفة كاملة عبر هاتفنا المحمول، وهذا له ضريبة، ولكن أيضاً بدأ الرأي والمقال يصل وينتشر بصورة أكبر، وهنا التحدي الكبير لكتاب الرأي، لأن المقال الجيد والقوى سيتم تداوله على نطاق واسع من المجتمع، حتى أنه يصل لأناس لا علاقة لهم مطلقاً بالصحافة من خلال تداوله عبر «الواتساب».
من كتّاب الرأي، شريحة تهتم بالشأن الثقافي، بعض هؤلاء الكتاب ينطلق من ممارسة في الكتابة الإبداعية والنقدية ومشاركة في الفعل الفني المسرحي والسينمائي والتشكيلي، وبعضهم الآخر يحمل هم الثقافة بشموليتها ويشعر بأنها داعمة حضارية مهمة للوطن، وبالطبع جزء كبير منهم ينطلق بكتابة الرأي من عشق للقراءة وحب كبير للكتاب والمكتبات، وحرص على جلب المعرفة وتنميتها، وتنوير العقول وتوسيع المدارك.
ونعرف أن بعض الصحف ذات الصفحات اليومية تخصص عمودين من الصفحة لكاتب يتناول أمراً ثقافياً، من هؤلاء الكتاب نقاد ومبدعون ومهمومون بالثقافة، يتناولون قضايا تتعلّق بالشعر والرواية والقصة والمسرح والسينما والفن التشكيلي بتعدداته إضافة إلى الكتب والمكتبات، بالطبع الأمر يختلف وربما يكون أكثر تنظيماً حين تعتمد الصحيفة على ملحق ثقافي أسبوعي كما هو الحال في المجلة الثقافية بجريدة الجزيرة، المقالات لا حصر لها والأسماء متعدِّدة، وكلٌّ يدلي بدلوه، الأمر الجيد وهو مهم أن ما ينشر ليس عابراً، بل سيبقى، وسيتم تداوله عبر القنوات الإلكترونية الحديثة، وسيصل إلى شريحة كبيرة في المجتمع، ربما لن يصلها لو كان الاعتماد على الورق فقط.
ما قلته يدفعني لأن أتساءل: ما موقع كتَّاب الرأي الثقافي، هل لديهم قراء، وما مدى تأثيرهم في المجتمع والمؤسسات الثقافية.
لقد كانت هنالك صورة نمطية، وأقول ذلك للأسف، عن أغلب مقالات الرأي الثقافي، أنها نخبوية، دائرتها ضيقة جداً، لذا قد لا تعني فئة كبيرة من أفراد المجتمع، ربما أضطر ذلك بعض الكتابات، ولكن لا يصلح مطلقاً التعميم، وكثير من المقالات التي تهتم بالشأن الثقافي تهتم أساساً بالإنسان وتنميته الثقافية، من جانب آخر تهتم بما يهيئ لهذا الإنسان أو بصورة أدق كل فرد من المجتمع البيئة الثقافية السليمة التي ترتقي به، وبالطبع من خلال التطرق للمؤسسات الثقافية ومدى فعاليتها، وكذلك فتح نوافذ للمتعة والمعرفة، وخلق وعي يستفيد منه أفراد المجتمع لفهم ملابسات السياسة والاقتصاد.
الرأي الثقافي ليس بطارئ مطلقاً، ولن يكون هامشياً، بل بكل تأكيد جميع كتاب الرأي الثقافي مشاركون في التحديات الراهنة التي تواجه الوطن ولهم الدور الأكبر في تعزيز استقرار المجتمع.