محمد عبد الرزاق القشعمي
سافر حمد الجاسر نهاية عام 1348هـ/1930م إلى مكة للحج ولطلب العلم، وقد اشترى جملاً بـ 97 ريالاً لنقله مع الحملة التي ستذهب للحج من أبناء قريته (البرود)، واستغرق سفرهم 17 يوماً. وقضوا حجهم، وغادر رفاقه إلى قريتهم أما هو فبقي لطلب العلم، وكان قد أُفتُتح في مطلع هذا العام (المعهد الإسلامي السعودي) بمكة بإشراف عالم الشام محمد كامل القصاب وإدارة الأستاذ محمد بهجة البيطار، وكُلِف رئيس القضاة الشيخ عبدالله بن حسن باختيار عدد من الشبان الراغبين في طلب العلم لإلحاقهم بالمعهد. وكان الجاسر قد بدأ عمله جندياً في (الهجانة) كي يستعين براتبها في طلب العلم – وكان قد تجاوز العشرين من عمره– أخذه واثنان ممن يرغب دخول المعهد الشيخ عبدالله بن حسن لمقابلة الملك عبدالعزيز، والذي حثهم على الجد والاجتهاد بالتزود من العلم وقال: (لقد كفيتم جميع شؤونكم من نفقة وسكن وكسوة)، وقد هيئ لسكناهم بناية تطل على المسعى مقابل باب السلام، وتولى إدارة الضيافة عبدالله السليمان المزروع من أبناء الأحساء. الذي ربطته بالجاسر صداقة قوية، قال عن بدايتها: « لقد كان من ألمع من عرفت تلك الأيام، واستمر التواصل بيننا طيلة ستة وثلاثين عاماً حتى انتقل إلى العالم الآخر سنة 1385هـ/1965م، لقد كان مهتماً بالثقافة الحديثة ومن أوائل من يقتني أي كتاب جديد يسمع به، أو مقال ذي إثارة في صحيفة، وكان لا يكتفي باطلاعه بل يُطلع على ذلك إخوانه، وما وفد أديب أو شاعر أو صحفي أو سياسي معروف إلا ورأيت الشيخ عبدالله المزروع ملتفاً بذاك الوافد، وكثيراً ما يحمل معه دفتراً يقدمه لذلك العالم أو السياسي ليسجل فيه ما يوجهه من نصائح.. وقال إنه يقتني المؤلفات الحديثة ويهدي كثيراً منها لأصدقائه.. وقال إن المزروع من أوائل من عرف، وأحبه لما تتصف به روحه من سلاسة ورقة، وصفاء من التعقيد، وخلو من مظاهر التكلف والتصنع، وقال: فنشأت بيننا صداقة كنت أحوج منه إلى اتصالها وتقويتها، فقد فتح لي نافذة أطل منها إلى آفاق رحبة من عالم كنت أجهله الجهل كله، إنه عالم المعرفة الذي يتغذَّى بروافد من الثقافة الحديثة... وكل ذلك مما لا عهد لي به، إن لم أكن أنظر إلى بعضه نظرة نفور واشمئزاز، تأثراً بما رسخ في ذهني من أن المعرفة الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة محصورة فيما خَلَّفه لنا سلفنا الصالح وما عداه لا خير فيه:
كل العُلُوم سِوى (القرآن) مَشغَلةٌ
إلا (الحديث) وإلا (الفِقه) في الدِّينِ
خير الأحاديث ما قد قال: (حَدّثنا)
وما سوى ذاك وسواس الشياطين
إلى أن قال إن المزروع ذا أثرٍ في اتجاهي الثقافي هذه الوجهة التي لا أملك حيال سيطرتها عليَّ إلا الاعتراف بفضله.