حينما درس الدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيّع في كلية اللغة العربية بالرياض مواصلاً دراسته الجامعية في المدة من 1384ـ1388هـ (1964ـ1966م) كان الأدب في المملكة العربية السعودية لم يستقل بعد بمقرر، وإنما يُدرس ضمن مقرر الأدب الحديث؛ ومن هنا فقد كانت دراسة عابرة غير مؤثرة فيه وفي معظم جيله، وكان اهتمامهم البحثي في الدراسات العليا يتجه في الغالب إلى التراث: تحقيقًا ودراسة، ولم يحظ الأدب السعودي قبل نحو نصف قرن إلا باهتمام قلة من الباحثين في مقدمتهم: الدكتور محمد بن سعد بن حسين -رحمه الله، والدكتور إبراهيم الفوزان، والدكتور محمد الشامخ -رحمه الله- وغيرهم.
وعندما قرّر الدكتور محمد الربيّع مواصلة دراسته العليا في القاهرة للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه، وضع عينه على شخصيتين تراثيتين، وهما: ابن طباطبا، وأبو الحسن التهامي، وأعد عن الأول دراسة، وعن الآخر تحقيقًا ودراسة لشعره، ويظهر أن الماجستير لم تكن بنظام إعداد دراسة واحدة، بل كانت دراسة مقررات لمدة سنتين وإعداد مجموعة بحوث، من بينها: دراسته عن ابن طباطبا، ودراسته عن «التديّن والمجون في شعر شوقي».
غير أن الدكتور محمد الربيّع بعد حصوله على الدكتوراه عام 1398هـ/1978م وانخراطه في التدريس في كلية اللغة العربية، ثم الإشراف على الرسائل الجامعية ومناقشتها جعله يميل كثيرًا إلى أدب بلده وأدبائها والتفكير في مستقبل الأدب والثقافة في المملكة، وبخاصة مع جملة من المتغيّرات التي شهدتها المملكة في هذا السياق، ومنها: إقرار مادة تحت عنوان «الأدب السعودي» في جميع الجامعات السعودية، وزيادة الاهتمام بالأدب السعودي وتسجيل رسائل عديدة في الماجستير والدكتوراه تدرس ظواهر فيه، أو تؤرّخ لحياة عدد من الأدباء السعوديين، وإقرار عدد من الأندية الأدبية لملتقيات وندوات تدرس جوانب من الأدب السعودي، وظهور حراك كبير في وزارة الثقافة والإعلام، وفي المهرجان الوطني للتراث والثقافة، وفي دارة الملك عبدالعزيز، وفي عدد من الجهات الحكومية، وكلها تُعنى بالأدب والثقافة في المملكة، ومن أبرزها: مؤتمرات الأدباء السعوديين، وملتقى المثقفين السعوديين، ومعرض الرياض الدولي للكتاب، وملتقى قراءة النص بنادي جدة الأدبي، ودورات مهرجان الجنادرية السنوية، وسوق عكاظ، إضافة إلى صدور بعض المجلات الثقافية المهمة التي واكبت نشأة الأندية الأدبية، وفي المقدمة: المجلة العربية (1395هـ)، ومجلة الفيصل (1397هـ).
كما أن الصالونات الثقافية غير الرسمية لها تأثير كبير في تعزيز الاهتمام بالأدب والأدباء السعوديين، وفي المقدمة: خميسية الشيخ عبدالعزيز الرفاعي بالرياض، واثنينيّة عبدالمقصود خوجه بجدة، وثلوثية الدكتور محمد المشوّح بالرياض، وغيرها.
هذا الحراك المتنوع على كافة الصعد واكبه الدكتور محمد الربيّع مدة تزيد على أربعين عامًا، وكان محط أنظار المسؤولين عن العديد من المهرجانات والملتقيات والندوات والفعاليات، وكل مجالات التخطيط للشأن الثقافي في المملكة، فوصلته دعوات للمساهمة هنا أو هناك، وكان متجاوبًا متفاعلاً وفاعلاً في كل ما أسند له من أعمال وفي كل اللجان التي عمل فيها، وأثمر ذلك عن جملة من المنجزات الثرية في مجال خدمة الأدب السعودي.
ويمكن تحديد مجالات خدمة الدكتور محمد الربيّع للأدب السعودي من خلال المحاور التالية: المؤلفات، والجامعة، والبحوث والمحاضرات، والنادي الأدبي بالرياض، واللجان العلمية، وغيرها من المجالات.
أولاً: المؤلفات:
نقف في سياق النظر في المؤلفات التي طبعت للدكتور محمد الربيّع في مدة تزيد على أربعين عامًا على عدد من الكتب التي تخدم الأدب السعودي، وبعضها في الأصل جملة من البحوث والدراسات ألقاها في ملتقيات أو ندوات داخل المملكة العربية السعودية أو خارجها، من أبرزها: الأدب السعودي بأقلام الدارسين العرب، بالاشتراك مع الدكتور حمد الدخيّل والدكتور حسن الهويمل، نادي القصيم الأدبي، 1421هـ، وابن خميس في مجمع الخالدين، دارة الملك عبدالعزيز، الرياض، 1435هـ.
ثانيًا: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية:
ارتبط الدكتور محمد الربيّع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: طالبًا في معاهدها العلمية وفي كلية اللغة العربية، ثم أستاذًا بالمعهد وفي الكلية، ثم مسؤولاً في الجامعة وكيلاً لها حتى تقاعده من العمل في عام 1426هـ/2005م.
وتكشف قاعدة معلومات الرسائل الجامعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عن وجود عشر رسائل جامعية (ماجستير ودكتوراه) أشرف عليها الدكتور محمد الربيّع أو ناقشها.
ثالثاً: البحوث والمحاضرات:
تلقى الدكتور محمد الربيّع عددًا من الدعوات؛ للمشاركة ببحث أو دراسة أو محاضرة داخل بلده المملكة العربية السعودية وخارجها، وأثمر ذلك عن جملة من البحوث والدراسات، ونتوقف هنا عند البحوث التي تخدم الأدب السعودي، ومنها:
1. الفريق يحيى المعلمي أديباً ولغوياً.
2. أدب الأطفال في المملكة العربية السعودية.
3. جهود الشيخ حمد الجاسر في تحقيق التراث ونشره.
4. الجهود العلمية للشيخ حمد الجاسر في مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
5. الرفاعي في مجمع الخالدين.
رابعاً: في النادي الأدبي بالرياض:
عيّن الدكتور محمد الربيّع رئيسًا لمجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض في المدة من 1422ـ1426هـ (2001ـ2005م)، وكان النادي قبله يشكو من حالة ركود، وترافق مع تعيين الدكتور رئيسًا تعيين عضوين جديدين في مجلس الإدارة، وهما: الدكتور سعد البازعي، والدكتور عبدالعزيز السبيّل، وهما اسمان مهمان وتوليا فيما بعد مناصب قيادية في الجانب الثقافي.
هذه الروح الجديدة التي تولت قيادة النادي الأدبي بالرياض جعل الدكتور الربيّع ومن معه في مجلس الإدارة في تحد مع الزمن، وفي سباق معه كي يقروا فعاليات ومناشط غير تقليدية تضفي حراكًا على النادي، وهو ما حدث بالفعل، إذ أقر مجلس إدارة النادي بقيادة الدكتور محمد الربيّع عددًا من المناشط المهمة التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بخدمة الأدب في المملكة العربية السعودية، وأبرزها:
1. إصدار مجلة (حقول) المتخصصة في أدب وتراث الجزيرة العربية عام 1425هـ/2004م، وما تزال تصدر حتى اليوم.
2. إنشاء ملتقى النقد الأدبي في المملكة عام 1426هـ/2005م، وانطلاق الدورة الأولى منه في عام 1427هـ/2006م، وهو ملتقى مستمر حتى اليوم ويُعقد كل سنتين بانتظام.
خامساً: اللجان العلمية:
حظي الدكتور محمد الربيّع بثقة بعض الجهات الحكومية، فأسندت له رئاسة لجان مهمة، ومن أبرزها: رئاسة اللجنة العلمية بدارة الملك عبدالعزيز التي أعدت القسم الخاص بتراجم الأدباء السعوديين في قاموس الأدب العربي الحديث وكتابة بعض مواده، والقاموس من إعداد وتحرير الدكتور حمدي السكوت، وصدر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2007م، ورئاسة اللجنة العلمية المشرفة على قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية بدارة الملك عبدالعزيز عام 1429هـ/2008م، وأنهت عملها في مدة تجاوزت ثلاث سنوات، وصدر القاموس عن الدارة في ثلاثة مجلدات عام 1435هـ/2014م، ويعد الآن أحدث وأهم مرجع يترجم للأدباء السعوديين.
كما رأس الدكتور الربيّع اللجنة العلمية في مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث المنعقد في عام 1430هـ/2009م، وأشرف على السجل العلمي الذي صدر عن وزارة الثقافة والإعلام في ثلاثة مجلدات عام 1431هـ/2010م. وبعد، فهذه لمحات يسيرة عن جهود أستاذنا الدكتور محمد الربيّع في خدمة الأدب السعودي، وحسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق، وفي مؤلفاته المطبوعة مزيد تفصيل وثراء.
د.عبدالله الحيدري - نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الأدب العربي