م. خالد إبراهيم الحجي
إن مذكرات التفاهم تعتبر اتفاقات رسمية ليست ملزمة قانونياً ولا يستطيع أحد الأطراف مقاضاة الأطراف الأخرى عند التراجع عنها، وتستخدمها المؤسسات والشركات والحكومات، وتكون بين طرفين أو عدة أطراف سواء محلياً في داخل الدولة الواحدة أو خارجياً بين الدول مع بعضها البعض. وتبدأ مذكرات التفاهم بالاحترام المتبادل والرغبة والتفكير والاستعداد من كل طرف للتحاور والمشاركة مع الطرف الآخر لتحقيق الطموحات المأمولة من قبل جميع الأطراف المتفاهمة، وتتضمن شرحاً واضحاً ومحدداً لنقاط التفاهم التي يراد الاتفاق عليها، وتعكس العزم والجدية لتفعيل الاتفاقات بدلاً من مجرد التوافق في وجهات النظر الودية والتفاهمات العادية التي تنتهي بالابتسامات والمصافحات اليدوية التي لا تصل إلى حد التنفيذ العملي والتطبيق الفعلي على أرض الواقع. ومذكرات التفاهم أقوى من خطابات النوايا التي تعبر عن نية أحد الطرفين تجاه الآخر للاتفاق على الدخول في صفقات تجارية ومشاريع استثمارية ولا تلزم الطرف الآخر بالتوقيع عليها؛ لأن مذكرات التفاهم يتم توقيعها من جميع الأطراف المتفاهمة لتكون صحيحة وسارية المفعول لتوضيح خارطة الطريق لهم، وتنص في محتواها على أن الاتفاقات والعقود القانونية على وشك التوقيع وستكون ملزمة، وتُفعَّل وتنفذ في القريب العاجل. وهي أداة فعالة لتشجيع الأطراف المتشاركة للوصول إلى التفاهمات المتبادلة مع بعضها البعض بشكل طبيعي ومباشر دون تدخل وساطات خارجية للاتفاق على المشاريع المشتركة، والمصالح المتبادلة التي تفيد كلا الجانبين أو جميع الأطراف في نهاية المطاف؛ فتؤدي إلى جلوس الممثلين عن كل طرف للتفاوض وتوضيح نطاق العمل، وتحديد الصفقات التجارية، ونوع وطبيعة المشاريع الاستثمارية الممكنة، ومناقشة باقي التفاصيل الأخرى، ثم كتابة المسودات الأولية التي تدفع الطرفين أو الأطراف المتفاهمة إلى التحرك في الاتجاه الصحيح للتوصل إلى التعاون المتبادل، وتفعيل الشراكات الإستراتيجية المثمرة، ولا تلزم أحد الأطراف بدفع مبالغ مالية إلى باقي الأطراف الأخرى ولكنها تحدد رأس مال التكلفة الإجمالية للصفقات التجارية والمشاريع الاستثمارية التي سيتم تنفيذها، ويُحَدَّد فيها التنازلات والقيود والاشتراطات مقابل الحوافز المالية والاقتصادية، وتوضع فيها الجداول الزمنية لبدء تنفيذها وتفعيلها إلى صفقات تجارية ومشاريع عملية استثمارية على أرض الواقع، وتصبحزءاً من الاتفاقات أو العقود أثناء التنفيذ. وبعد الانتهاء من الحوار والمناقشات تتم الصياغة النهائية لمذكرات التفاهم وتوقيعها كالأمثلة التالية:
المثال الأول: مذكرة التفاهم بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل التي تمت في عام 2016م لتمويل إسرائيل لمدة عشر سنوات اعتباراً من شهر اكتوبر 2018م، ويتوقف تنفيذها على اعتماد مبلغ (38) مليار دولار في الميزانية الأمريكية من قبل الكونجرس الأمريكي يتم توزيعها على النحو التالي: (3.4) مليار دولار سنوياً للتسليح العسكري، و(500) مليون دولار سنويا لبرنامج الدفاع الصاروخي (القبة الحديدية).
المثال الثاني: مذكرة التفاهم التي تمت بين دونالد ترامب الرئيس الأمريكي وبين كيم جون أون رئيس كوريا الشمالية بخصوص نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية التي تم توقيعها في مؤتمر سنغافورة خلال شهر يونيو 2018م.
المثال الثالث: مذكرات التفاهم بين عدد من المؤسسات والهيئات والشركات ووزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودية وبين الشركات العالمية المشاركة في مؤتمر (مبادرة مستقبل الاستثمار في السعودية) الذي عقد في الرياض خلال شهر أكتوبر 2018م، وشهد توقيع (25) مذكرة تفاهم لإقامة مشاريع تنموية بلغت قيمتها الإجمالية (212) مليار ريال بما يعادل (56) مليار دولار تقريباً، ومنها وعلى رأسها (15) مذكرة تفاهم بين شركة أرامكو وبين بعض الشركات العالمية مثل: (ترافيجورا، وتوتال، وهيونداي، ونيرينكو، وشلومبرجر، وهاليبورتون، وبيكرهيوز) بنحو (34) مليار دولار في مجال النفط والغاز والصناعات التحويلية.
الخلاصة:
إن مذكرات التفاهم هي الخطوات الأولى لبناء الشراكات الإستراتيجة للاستفادة من مواطن القوة عند الشركاء في التتنمية والتطوير.