عمر إبراهيم الرشيد
كنت بصحبة طبيب من إحدى الدول الغربية في مستشفى رائد بالرياض، فقال كلمة لم أنسها منذ ذلك الحين (أنا محظوظ لأني أعشق عملي!)، وحقيقة كان ذلك الطبيب مثالاً في إنسانية التعامل واللطف مع المرضى فوق التميز المهني والعمل الدؤوب. ومنذ أيام تكرر هذا الموقف مع أحد المهندسين السعوديين، حيث دار الحديث معه عن تخصصه في الهندسة الميكانيكية، وشغفه منذ صغره بالتعامل مع المعدات والأجهزة بتشجيع والده ما دفعه للتخصص في هذا المجال. ثم إنه صقل تخصصه بعمله في أيقونة الاقتصاد السعودي أرامكو، إذ ذكر في حديثه عن منهجية هذه الشركة العملاقة في العمل الميداني والتدريب على العمل في كافة الأقسام حتى وإن لم تكن ضمن تخصص الموظف أكاديمياً، ومثلها شركة سابك، حيث عمل فيها هذا المهندس لفترة من الزمن، إذ إن التدريب على رأس العمل هو ما يكون الخبرة العملية ويراكمها ويصقل التحصيل الأكاديمي والمعرفي. وهذا كما هو معروف ما يشكِّل كادراً تقنياً وفنياً قادراً على تشغيل وإدارة وتطوير الصناعات الوطنية سواء في النفط عصب الاقتصاد العالمي أو غيره من الصناعات، ونقل التقنية من بيوت الخبرة الدولية وتوطينها. هكذا استطاعت اليابان وألمانيا تأسيس صناعاتها الوطنية عبر ابتعاث طلبتها إلى إنجلترا مهد الثورة الصناعية وذلك في القرن التاسع عشر، حتى استطاعت بعد عقود منافسة الدول الصناعية، بل والتقدّم إلى الصفوف الأمامية للدول الصناعية الكبرى.
أعود إلى الشغف بالوظيفة أو العمل أياً كان مجاله، فالثقافة الغالبة في الغرب وأمريكا أن المبدعين هناك لديهم شغف بما يعملون، وأرباب الشركات الكبرى مثل أبل ومايكروسوفت وباقي كبرى الشركات الصناعية والتقنية أمثال جوجل، مرسيدس، بي أم دبليو، ايكيا وغيرها من أيقونات اقتصادية توازي موازناتها تلك لدول كاملة، تخبرك قصصهم أنهم تركوا الدراسة الأكاديمية واتجهوا إلى أعمال داعبت خيالهم، بل وكانت أحلامهم حتى في منامهم، فعملوا وتغلبوا على المعيقات والمصاعب المالية حتى ترقوا في السلم بتؤدة وإصرار إلى أن بلغوا ما بلغوه من إبداع وشهرة ملأت الآفاق. هل يأتي ذلك اليوم الذي نشهد فيه التحول في نظمنا في التعليم ما قبل الجامعي لتلمس ميول الطلاب ومن ثم تحفيزهم للتميز فيما يعشقون، لنتفاءل فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، صحبتكم رعاية الرحمن.