عبده الأسمري
تعرفه ساحات التدريب وتألفه شاشات التلفزة.. جمع المهارات العسكرية والمواهب الإعلامية فاستجمع «المجد» تنويعًا ونثر الإبداع تطويعًا في مسيرة صنعتها روحه الباحثة عن الثبات والإثبات.. وجه من وجوه «الزمن الجميل» وركن من أركان تاريخ التلفزيون السعودي..
إنه المذيع والإعلامي والعسكري العميد مهندس ركن متقاعد سبأ باهبري أحد أبرز مذيعي التلفاز السعودي في حقبتي الثمانينات والتسعينيات ومن أشهر قامات الإعلام العسكري..
بوجه وسيم أبيض ممتلئ وشارب غامق اللون يتكامل على أناقة عامرة بالبزة العسكرية في القطاع الحربي وأخرى بالزي السعودي المنفرد بتشكيلة شماغ ثابتة تستند على محيا حافل بالابتسامة وكاريزما مختلطة بين جدية مريحة ووسطية حوارية وإنصات مبهر مع صوت جهوري بلكنة عربية فصحى تتقاطر منها مفردات إعلامية مهنية وعبارات عسكرية تخصصية وحنجرة متوهجة بالتعليق العسكري مبهجة بالتنميق الإذاعي قضى باهبري من عمره سنينا وهو يرصف جسور «الإبداع» خلف مايكروفونات الشاشة ووراء بلاتوهات التصوير مذيعا وإعلاميا وقياديا نال «السبق» تحت لواء التخصص العسكري ونثر العبق في ميادين الإعلام المتخصص في التلفزيون والإذاعة.
في مكة ولد باهبري محفوفا بقصص الأجداد مخطوفا إلى وصايا الناصحين وعطايا النابغين ثم انتقل مع أسرته للرياض فامتلأ قلبه بدافعية الإنسان ودوافع المكان فتربى وسط أسرة أشبعته بالمغانم التربوية فكان يكافئ نفسه بأمنيات نقلها من سريرته إلى علانيته في حضرة والديه معلنا التنافس مع ذاته والسباق مع مواهبه فظل يمطر أذان والده بأسئلة الصغار المفعمة بروح الكبار ويعتمر من حنان والدته شفاعة البر باكرًا.
ركض باهبري طفلا بين أحياء العليا والنسيم والروضة منصتا لنداءات العسكريين في الميادين معجبا ببزات الضباط المكتظة بالنياشين.. منجذبا إلى محافل الأداء في أجهزة الراديو مكملا نهاراته ببروفات كان يؤديها سرًا وعلانية للإلقاء مما جعله مشروعًا قادمًا في أعين والديه ومحفلا بشريًا وسط تنبوءات معلميه.
كبر واعتمرت في ذهنه مناظر شاشات التلفاز في شارع الثميري وترددت في أسماعه أصداء الصوت وتمددت في عقله حتمية اقتداء المشهد.
درس باهبري الابتدائية والمتوسطة في مدارس أبناء الضباط بالرياض والثانوية في معهد العاصمة النموذجي ثم ابتعث إلى بريطانيا عام 1971 ميلادي وحصل الثانوية العامة البريطانية ثم أكمل دراساته الجامعية في جامعة امبري ريدل الأمريكية تخصص هندسة تصميم الطائرات ونال ماجستير العلوم العسكرية من كلية القيادة والأركان وماجستير في العلوم السياسية من بريطانيا عمل في القوات الجوية السعودية ثم في وزارة الدفاع والطيران, ثم في قيادة القوات الجوية حتى تقاعده برتبة عميد في عام 1422هـ.
وله العديد من البرامج الوثائقية العسكرية والدراسات والبحوث التخصصية وتقلد مناصب مدير الإعلام والنشر بوزارة الدفاع والملحق العسكري للسعودية لدى إيطاليا. ومدير التفتيش الإداري في القوات الجوية الملكية السعودية وعمل في مهام عسكرية أخرى.
وله إسهامات في الإذاعة السعودية في عدد من البرامج الثقافية والتاريخية والاجتماعية. وألف بعض الكتب في المجال العسكري وكتب عدة مقالات في الصحف السعودية والمطبوعات العسكرية.
بدأ مسيرته مذيعا في برنامج للأطفال، إلى أن أصبح قارئ نشرة أخبار رئيسي في التلفزيون السعودي لعقدين من الزمان. كما قدم عددًا من البرامج من أهمها نادي المشاهدين. وتحية من أبنائنا في الخارج وغيرها.
تأثر باهبري بروح التحدي في أداء عبدالرحمن يغمور وبوح الأصالة في نغمة سليمان العيسى وصروح التنافس في لكنة عوني كنانة واستأثر بسيكولوجية فاخرة كان يؤديها أمام الشاشة تعتمد على إيماءات الوجه وإيحاءات اللفظ مع عمق موهبة وافق هبة أكملها بمشاهد صوتية تكاد ترى بالبصر.
كان باهبري عسكريًا صباحًا يوجه النداءات وإعلاميًّا نهارًا يكتب البيانات الصحافية ومذيعًا مساء يوزع المهارات في طلة بهية اعتمرت أذهان المشاهدين وألبستهم رداء ذاكرة مقاوم لكل التقنيات رغمًا عن تعاقب الأجيال.
ولأنه مسكون بالهم الإعلامي مسجوع بالمهنية المتلفزة ظل باهبري منكبا على كتبه ساكبًا حبر النتائج في أرشيف شفيف استعمر وجدان المتابعين كظاهرة صوتية لا تتكرر.. سابكًا جبر خواطر جيله بعزاءات زمن لا يشبه إلا نفسه.
في صفحات «الإعلام السعودي» اسم يجعلنا نقف أمام قراءته طويلا لنسأل عن أرثه ونتساءل عن تراثه.. يتلخص في «سبأ باهبري» مهندس نشرات الأخبار ومايسترو المهام المتنوعة بين الميادين العسكرية والشاشات الفضية.