د. جاسر الحربش
هل يعرف أحدنا شجرة أكرم من النخلة ورفيق درب أصبر من الجمل ومناور نزال أمهر من الجواد العربي؟ بالنسبة للإنسان الصحراوي لا توجد أشجار أروع تناسقاً وأكثر وأحلى ثماراً من النخيل، ولا حيوانات أليفة أشد تحملاً وأقوى ألباناً من الإبل، ولا خيولاً أكثر رشاقة وأسرع عدواً من الجياد العربية. هل هي الأمور كذلك فقط في عين الإنسان الصحراوي، أم أن المقارنة العادلة بين كل البيئات المختلفة سوف تعترف بالتفوق النوعي لهذه الكائنات الصحراوية رغم قسوة الظروف وشح البيئة؟.
النخيل والإبل والخيول من أكبر معجزات البقاء والاصطفاء للأجود ثماراً والأقوى عظاماً والأسرع عدواً عبر الأزمنة السحيقة وسط صحار رملية حجرية ليس فيها سوى بقع خضراء صغيرة مثل بقايا الشعيرات في الرأس الأصلع. بالمقاييس الصحراوية تعتبر النخيل والإبل والخيول مخلوقات كبيرة الأحجام، وليس الأمر كذلك بالنسبة للأفيال والزرافات والجواميس وحمر الوحش وأشجار الكاكاو والمانجو بمقاييس الغابات المطرية والمروج الخضراء على مدار الفصول.
تلك الشجرة الصحراوية دائمة الخضرة، المتفرعة باسقة في السماء ومتوجة بطوق جدائل دائري كيف لها أن تعطي في بيئتها الشحيحة تلك الكميات والأنواع والألوان من الثمار الأجود على الإطلاق؟ تلك الإبل التي تزن الواحدة منها مئات الكيلوجرامات وتحمل من المتاع مثل وزنها لمئات الأميال وتقتات على ما تلتقطه من بين الأشواك وتكتفي بالشرب مرتين في الشهر عند الضرورة، كيف لها أن تدر أقوى الألبان قيمة غذائية على الإطلاق؟. وتلك الجياد الصافنات الضامرات كيف اكتسبت كل هذه الشكيمة والجمال والأنفة والقدرة المتغلبة في السباق على كل خيول العالم؟.
هل نستطيع الاستنتاج أن الصحراء العربية أنبتت الشجرة الأوفر عطاء من الثمار الأحلى والأزهى ألواناً، وأن هذه الصحراء أنسلت الإبل الأصلب عوداً والأكثر صبراً والأفضل ألباناً بين كل الحيوانات، وأنها اصطفت الخيول الأكثر رشاقة وجاذبية والأسرع عدواً بين كل خيول العالم؟، أعتقد نعم.
السؤال يكون بناءً على ذلك، هل هذا الاصطفاء الثلاثي النوعي مجرد تكرار عشوائي طبيعي لثلاث طفرات بيولوجية، أم أن الإضافة المنطقية هي موهبة الإنسان الصحراوي نفسه عندما اختار وطوع عبر الأزمان من الكائنات الأكرم والأقوى والأسرع للتغلب على تحديات صحرائه وتقلباتها المفاجئة.